(وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب). قضت محكمة مغربية في الدار البيضاء الاثنين بالسجن ستة أعوام في حق الصحافي عمر الراضي بتهمتي “تخابر” و”اعتداء جنسي”، وفق ما افاد مراسل فرانس برس.
وورد اسم الراضي الأحد ضمن لائحة صحافيين قالت وسائل إعلام دولية إن السلطات تجسست على هواتفهم باستخدام برنامج “بيغاسوس”.
وحكم على زميله الصحافي عماد استيتو، الملاحق في سراح مؤقت، بالحبس 12 شهرا ستة منها نافذة في قضية “الاعتداء الجنسي”، بعدما كان شاهد النفي الوحيد لصالح المتهم في بداية القضية.
وفتح التحقيق مع الراضي المعتقل منذ عام في تهمة “التخابر”، بعد يومين من صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية يتّهم السلطات المغربية “بالتجسّس على هاتفه”، وهو ما نفته الرباط حينها بشدة.
وتزامن الحكم عليه مع نشر وسائل إعلام عدة الأحد تحقيقا يشير مجددا إلى التجسس على هاتفه، الامر الذي اعتبرته الحكومة المغربية “إدعاءات زائفة”.
وسبق للراضي (35 عاما) أن أشار أثناء مثوله أمام المحكمة نهاية جوان/يونيو إلى أن التحقيق معه في قضية التجسس “جاء بعد صدور تقرير لمنظمة العفو الدولية” حول التجسس على هاتفه.
ظل الصحافي يؤكد أنه يحاكم بسبب آرائه، وطالبت منظمات حقوقية محلية ودولية وسياسيون ومثقفون بالإفراج عنه، في حين تؤكد السلطات المغربية أن الأمر يتعلق بقضية حق عام لا علاقة لها بحرية التعبير، مشددة على استقلالية القضاء.
وقال الاثنين في كلمته الأخيرة أمام المحكمة “النيابة العامة حركها الانتقام وليس البحث عن الحقيقة”. وهو أيضا ناشط حقوقي معروف بآرائه المنتقدة للسلطات.
وسبق أن اعتقل لأيام أواخر العام 2019 لملاحقته في قضية “مس بالقضاء”، على خلفية تدوينة له على تويتر. لكنه حكم بالحبس أربعة أشهر مع وقف التنفيذ بعد حملة تضامن واسعة.
رائحة تخابر
في جويلية/يوليو الماضي اعتقل مجددا “للاشتباه في تلقيه أموالا من جهات أجنبية بغاية المس بسلامة الدولة الداخلية ومباشرة اتصالات مع عملاء دولة أجنبية”، لم تحدد حينها.
لكن استجوابه أثناء المحاكمة التي بدأت في أفريل/أبريل، أظهر أن هذه التهمة تستند بالأساس الى تعامله مع شركتي “جي3″ و”كي2” البريطانيتين للاستشارات الاقتصادية، وتواصله مع مواطن بلجيكي يدعى أرنولد سيمون عمل سابقا في سفارة هولندا بالرباط.
اعتبرت النيابة العامة أن هذه العلاقات “تشتم منها رائحة التخابر”، بينما أكدت الشرطة أن المسؤول في شركة “جي3” كلايف نيوين ضابط في المخابرات البريطانية.
من جانبه، حاول الراضي إقناع المحكمة بأنه تعامل مع الشركتين لإنجاز دراستين حول الاستثمار في شركة مغربية وزراعة النخل، متسائلا “أين الفعل الجرمي في ما أواجه به؟”.
وأوضح أن إنجاز هذه الدراسات أمر اعتيادي بالنسبة لصحافي متخصص في الاقتصاد، مشيرا إلى أن شركة “جي3” تعاملت مع زبائن مغاربة بينهم وزارة الاقتصاد وشركات عمومية وخصوصية.
أما علاقته بسيمون فشدد على أنها كانت في إطار صحافي محض مطالبا بإحضاره، في حين اعتبرت النيابة العامة أن “الاسم مستعار” لشخص تعذر التوصل إلى هويته الحقيقية.
وأكد سيمون رواية الراضي في رسالة مفتوحة مطالبا بالمثول أمام المحكمة، لكن الأخيرة رفضت الطلب.
وتعاون الراضي مع العديد من وسائل الإعلام المغربية والدولية ونشر تحقيقات حول الاقتصاد الريعي. واشتهر بكشفه العام 2016 قضية بيع أراض بأسعار زهيدة لمسؤولين كبار. كما غطى العديد من الحركات الاجتماعية في المغرب.
الحق في العدالة
بعد الخوض في تهمة التخابر ناقشت المحكمة قضية الاعتداء الجنسي في جلسات مغلقة أكدت خلالها الشاكية روايتها، نافية “أي طابع سياسي للقضية”، وسبق لها أن شددت في عدة مناسبات على “حقها في العدالة”.
وقضت المحكمة بتعويضها 200 ألف درهم (نحو 22 ألف دولار).
أما الراضي فتمسك بالتأكيد أنه أقام معها علاقة رضائية. وهي الرواية التي أكدها زميلهما في العمل عماد استيتو، اذ كان حاضرا في البيت الذي شهد الخلاف بين الطرفين.
وكان الأخير شاهد النفي الوحيد قبل أن تقرر النيابة العامة ملاحقته، ليدان الاثنين بـ”عدم تقديم مساعدة لشخص في خطر”.
وغادر قاعة المحكمة بعد الحكم عليه، كونه يحاكم في سراح مؤقت.
ويلاحق الصحافيان أيضا في محاكمة أخرى بتهمة “السكر العلني”.
يأتي الحكم عليهما بعد بضعة أيام من إدانة زميلهما سليمان الريسوني (49 عاما) بالسجن 5 أعوام في قضية “اعتداء جنسي” ضد شاب.
وهو الحكم الذي اعتبره المتضامنون معه “تصفية حسابات سياسية ضد صحافي مزعج”، بينما أكدت السلطات أنه جاء إثر محاكمة “توافرت فيها كل شروط العدالة”.
كما يأتي بعد إعلان وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع المنصرم أنها تتابع محاكمة الراضي، معربة عن “خيبة الأمل” إزاء إدانة الريسوني.
في المقابل، جددت المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان التأكيد على استقلالية القضاء، وألا علاقة للمحاكمتين بحرية التعبير.
في الأشهر الماضية انضمت أحزاب سياسية، بينها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الإئتلاف الحكومي، إلى المطالبين بالإفراج عن الصحافيين من أجل تحقيق “انفراج” في أوضاع حقوق الإنسان.