جنوب إفريقيا.. وفاة المناضل ضد الفصل العنصري الحائز على جائزة نوبل للسلام ديسموند توتو
أعلنت الرئاسة في جنوب إفريقيا، الأحد، وفاة كبير أساقفة البلاد ديسموند توتو، الحائز على جائزة نوبل للسلام وأحد رموز الكفاح ضد الفصل العنصري، عن عمر 90 عاماً.
توفي الأسقف ديسموند توتو آخر أبناء جيله من رموز الكفاح ضدّ نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا الأحد عن 90 عاماً، في أحد مستشفيات مدينة الكاب بعد حياة أمضاها في التنديد بالظلم والدفاع عن المظلومين.
وحتى الساعات الأخيرة من حياته، بقي الأسقف الذي منح جائزة نوبل للسلام على صراحته في إدانة الظلم.
وباسم “الشعب بأكمله”، عبّر رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا عن “الحزن العميق لوفاة” أحد أهم وجوه التاريخ في البلد، وفق بيان صادر عن الرئاسة.
وقال رامابوزا إن وفاة ديسموند توتو تشكل “فصلاً جديداً من فصول حداد أمّتنا في وداع جيل مذهل من أبناء البلد الذين تركوا لنا جنوب إفريقيا محرّرة”، وذلك بعد شهر على وفاة فريدريك دي كليرك آخر رؤساء جنوب إفريقيا البيض.
وأضاف أن توتو كان “رجلاً يتميّز بذكاء لافت ونزاهة ولم تتمكن قوى الفصل العنصري (الأبارتايد) من دحره. وكان على قدر كبير من الرقّة في تعاطفه مع الذين كابدوا القمع والظلم والعنف في ظلّ نظام الفصل العنصري ومع المظلومين والظالمين على حدّ سواء في العالم أجمع”.
وفي الأشهر الأخيرة، تراجع الوضع الصحي لتوتو الذي كان أبناء بلده يسمّونه تحبّبا “ذي أرتش”. فقد عانى منذ فترة طويلة من سرطان البروستاتا وتوفّي على الأرجح وفاة طبيعية من الشيخوخة عند السابعة صباحاً من يوم الأحد، حسب ما أفاد أقاربه وكالة فرانس برس.
ولم يعد ديسموند توتو الذي ابتكر لقب “بلد قوس قزح” يتحدث في العلن لكنه كان يوجّه دائما تحيّة إلى الصحافيين الذين يتابعون تنقلاته، ببسمة أو نظرة معبّرة، كما حدث خلال تلقّيه اللقاح المضاد لكوفيد-19 أو خلال قدّاس في مدينة الكاب احتفاء ببلوغه 90 عاماً في أكتوبر/تشرين الأول.
وفي أعقاب إعلان نبأ الوفاة، أقيمت صلاة في كاتدرائية القديس جورج التي كانت راعيته سابقاً. وبدأ معزّون من الأعراق كافة يتوافدون إلى منزله في الكاب حاملين باقات من الورد وتوجّه آخرون إلى منزله في سويتو، المنطقة الفقيرة في جوهانسبرغ، وفق صحافيي وكالة فراس برس في الموقع.
وقالت مؤسسة مانديلا إن وفاته خسارة “لا تُعوض، كان رجلاً استثنائياً وحياته بركة بالنسبة لكثيرين في جنوب إفريقيا والعالم. كان شخصا رائعاً، مفكّراً، قائداً، راعياً صالحاً”.
وسرعان ما توالت ردود الفعل الدولية. فأشاد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بـ”قيادته الفكرية” و”روح الدعابة التي لا تُقهر” لديه. وكتب في تغريدة على تويتر “شعرت بحزن عميق عندما علمت” بوفاة توتو.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فهو صرّح في تغريدة أن نضال ديسموند توتو “لوضع حدّ لنظام الفصل العنصري وإصلاح ذات البين في جنوب إفريقيا سيبقى حيّا في ذاكرتنا”.
وذكّر ماكرون بأن المونسينيور توتو “كرّس حياته للمنافحة عن حقوق الإنسان والمساواة بين الشعوب”.
حياة ديسموند توتو
ولد ديسموند توتو في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1931 لعائلة متواضعة في بلدة كليركسدورب الصغيرة الغنية بالمناجم في جنوب غرب جوهانسبيرغ. وقد أصيب خلال طفولته بشلل الأطفال.
وكان يحلم بأن يصبح طبيباً لكنه تخلى عن هذا الطموح لنقص الإمكانيات. وقد أصبح مدرساً قبل أن يستقيل احتجاجاً على التعليم المتدني المخصص للسود ودخوله إلى الكنيسة.
وفي سن الثلاثين رُسّم كاهناً ودرّس في بريطانيا وليسوتو ثم استقر في جوهانسبرغ في 1975.
في تلك الفترة وفي أسوأ أوقات الفصل العنصري نظم مسيرات سلمية ودعا إلى فرض عقوبات دولية على نظام بريتوريا. ولم يحمه من السجن سوى كونه رجل دين.
وديسموند توتو الذي عين رئيساً لأساقفة كيب تاون وللطائفة الأنغليكانية في بلده، كان متزوجاً منذ 1955 من ليا وأنجب منها أربعة أطفال.
في 1984، مُنح جائزة نوبل للسلام. ومع إحلال الديموقراطية بعد عشر سنوات ترأس “لجنة الحقيقة والمصالحة” على أمل طي صفحة الكراهية العنصرية. لكن آماله تبددت بسرعة إذ حصلت الأغلبية السوداء على حق التصويت لكنها بقيت فقيرة إلى حد كبير.
وبعد ذلك تصدى لتجاوزات حكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بدءاً من أخطاء الرئيس السابق ثابو مبيكي في محاربة الإيدز. حتى أنه وعد في عام 2013 بعدم التصويت أبداً للحزب الذي انتصر على الفصل العنصري.
وعلى الرغم من تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا في 1997 ودخوله عدة مرات للمستشفى، لم ينسحب الرجل الذي عرف بحيويته الاستثنائية من الحياة العامة إلا بشكل تدريجي وتقاسم حساباً على تويتر مع ابنته مفو التي تدير مؤسسته.
وقد تمسك بحلمه بجنوب إفريقيا متعددة الأعراق وتسودها المساواة.
عند وفاة نيلسون مانديلا في 2013، أنعش ديسموند توتو مراسم مملة جداً عندما صرخ بقوة “نعم” للجمهور بعد أن قال أمامه “نعد الله بأننا سنسير على خطى نيلسون مانديلا!”.