
مرة أخرى، شاء القدر أن تلتقي الجزائر والمغرب في ديربي رياضي يفترض فيه الروح الرياضية. مرة أخرى، رغم كل الاضطرابات السياسية من كلا الجانبين، يذكرنا التاريخ بوحدة هذا الشعب الألفيني. الذي ناضل وكافح في ربوع هذه المنطقة من أجل بقائها والحفاظ عليها وتأكيد وجودها.
إن أية محاولة لمحو هاته الحقيقة التاريخية. التي تشكل كرامة وفخر جميع سكان شمال إفريقيا. هو إجرام في حق ذاكرتنا الجماعية.
لمزوري التاريخ هؤلاء. أدعوهم لتمعن أسماء الأماكن و المواقع لمنطقة شمال إفريقيا برمتها، ودراسة سكانها ودينامياتها الإقليمية، ومعنى العلامات والرموز في وشم جداتنا العظيمات، سيجدون هذا التلاحم الطبيعي. وهذا دليل على أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن كل الشعوب المغاربية مرتبطة بتاريخها ومصيرها المشتركين.
أعلم أن هذا التذكير التاريخي سيثير حفيظة تلك الجماعات، التي عندنا أو عند جيراننا، المطواعة على مزاج أسيادها. الذين سيجهدون لتحريف، وتوجيه النقاش عن حقيقته إلى أيديولوجية البؤس، إلى البؤس الفكري والمعرفي، إلى التلاعبات والدعايات القذرة.
أقولها وأتحملها، أنا مغاربي وسأستمر في النضال من أجل وحدة مغاربية ديمقراطية، تصبو للحداثة، معتدة بتاريخها، ومقتنعة بتكامل إقليمي. قادر على تحقيق آمال شباب المنطقة.
إن المغرب الكبير بلد مترابط ولا سيما الجزائر والمغرب وتونس.
إن قوة الاتحاد تجاوزت تيه وانغلاق الأنظمة، كما أنها تجاوزت مناورات التقسيم التي تنظمها “المصالح” لصالح القوى الغربية.
المواطن يعلم ويفهم أنه لا صناع الكراهية ولا أصحاب الحسابات السياسوية يمكنهم محو هاته الحقيقة التاريخية والاجتماعية المكونة من الطاقات العاطفية لشعوب المنطقة.
يتعلق الأمر قبل كل شيء بعدم الاستسلام لبروباغاندا الأنظمة، التي بسبب افتقارها للشرعية الديمقراطية الناتجة عن تفويض شعبي حقيقي، تخترع لنفسها أعداء خارجيين وتحاول جعل الداخل يؤمن بدور المنقذ. وحامي الوحدة الوطنية.
إن كمشة الأشخاص الذين ينسبون أنفسهم للقبايل، عمدوا مؤخرًا في ميدان ستالينجراد. للهتاف: “يعيش ملك المغرب” ! معتقدين أنهم بهذا السلوك الغير منطقي وللغير مسؤول يمارسون السياسة.
كيف يمكن للذين يدعون الديمقراطية والنضال من أجل حقوق الإنسان وجميع فضائل المواطنة. أن يدعموا نظامًا يقتل الحريات؟ وملكًا لم يتردد في استخدام العنف الوحشي. وإصدار أحكاما قاسية بالسجن ضد النشطاء السياسيين الذين قادوا ثورة الكرامة والحقوق؟
تشترك ثورة الريف والاحتجاج في تونس والحراك في الجزائر. في شيئين مشتركين لا ينكرهما سوى المبتدئين في الدجل والمقبلين على المعالف:
1 – الأولى هي أن الأنظمة القائمة في هذه الدول تعتبر أن لها “حق” اتخاذ القرار خارج إرادة شعوب المنطقة. هاته الأنظمة إنهم لا تنتمي لأي عرق، أعمتها الرغبة المرضية للبقاء في السلطة على حساب مستقبل الشعوب. تعتقد أنها خالدة لا يمكن إزاحتها عن العروش.
لا تدخر جهدا لإضعاف الشعوب وإفسادها وتقسيمها. لقد خصخصوا “الدول” التي حولوها إلى أجهزة قمعية. ويتوارون خلف ستار القضاء الخاضع والخانع.
وتجند جزء من “النخبة” التي لا تقاوم جاذبية المعالف.. طبقة سياسية مدجنة. ارتضت بدور الواجهة في متجر المصالح. وتستغل أيضا هذه الأنظمة تواطؤ بعض القوى الأجنبية.
2ـ الثاني أن شباب منطقة شمال إفريقيا بأسرها يتطلعون إلى السلام والحداثة والديمقراطية. هؤلاء الشباب مقتنعون أن أكاذيب الأنظمة المفترسة عفا عليها الزمن. شباب حرم من السعادة. ويرى مستقبله مرهونا من قبل فئة من السياسويين النهمين.
يلاحظ الشباب أنه على الرغم من كل التطورات التكنولوجية التي يعرفها العالم، إلا أن الأنظمة ظلت منغلقة عن المعرفة وأسيرة للأوهام الأيديولوجية وتقلبات التاريخ. فبدلاً من الارتكاز على المهارات والمعرفة العلمية، تعتمد الأنظمة على الغباء، والوضاعة، والوشاة، والمخبرين، والانتهازيين …
إن هؤلاء الشباب يعرفون أن النضال والالتزام والثبات. وحده القادر على إخراج هذه البلدان من العبث والديكتاتورية.
إذا كان التطلع إلى السلام الدائم، والتنمية السياسية والثقافية ، والتمتع الكامل بالمواطنة ، والتمتع بالحريات والحقوق من ميزات الديمقراطية ، فإن الأنظمة الديكتاتورية القائمة في جميع البلدان المغاربية تمثل بؤسًا وتخلفًا وعنفًا ، و انحدار… ، باختصار إنها ضد حركة التاريخ.
إن أوجه الشبه هذه. ترسم الحدود الفاصلة بين أولئك الذين تتجذر تطلعاتهم نحو الديمقراطية وأولئك الذين يمعنون في التغذي بالكراهية وتغذيتها.
إنني على قناعة تامة بأن التكامل الإقليمي، المبني على أساس القيم والمصالح المشتركة، في إطار ديمقراطي واحترام متبادل، سيجعل مسألة الحدود بلا جدوى. كل هذه الأراضي ستكون ملكًا لأولئك الذين يثمنون التراب بالقيم الإنسانية التي يحملونها.
يكمن أمل هذه المنطقة برمتها في قدرة شبابها على الهروب من شراك الموت التي نصبتها الأنظمة. المرتبط بقاؤها بالحفاظ على “مناخ الحرب الباردة هذا”. هذا المناخ هو الذي جعل سباق التسلح في المنطقة مقدما على الديمقراطية، للحفاظ على الأنظمة القائمة وممارساتها الفاسدة.
بالعودة إلى اللقاء الرياضي اليوم، آمل من صميم قلبي أن تكون فرصة للبعض للنظر إلى بعضهم البعض بقلب منفتح ملؤه الأخوة والمودة.
تتفق عاطفتنا مع تاريخنا، لذلك دعونا نترك الدجالين في هذيانهم.
يعيش المغرب العربي الديمقراطي.
من أجل الإفراج عن معتقلي ثورة الريف وجميع معتقلي الرأي في المغرب.
من أجل الإفراج عن معتقلي الحراك وكافة معتقلي الرأي في الجزائر.