رسالة.. من الإرهابي سعيد بودور للشخصية الوطنية مدني مزراق
في البداية، وقد أعلنت أنني سأكتب لك، دعني أخبرك بشعور، قد تخلّلني الخوف ، وأن أتلقى عديد الرسائل، ما بين مهدد و منتقد ومحدر ومتطفل لغاية المرحب،
أصدقك القول، و أصارحك ، بأنه انتابني الخوف لأول مرة، لأنني فكرت وقرّرت أن أراسل و أكتب لك…
فهول إسم مدني مزراق، يكفي يغني عن كل تلك عن الصور و النظرات المحدقة الثاقبة ، التي تبيّن وتفسّر وتعكس شخصية المعترف باقتراف، ما نراه جرما بشعا لا يغتفـر (و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، ومن يرونه صلحا لا يحق لأي كان الخوض فيه (و جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعدوا)…
مدني مزراق، أصارحك، أصدقك القول ، بأنه انتابني حقيقة الخوف لأول مرة، لأنني فكرت وقرّرت أن أرسلك وأكتب لك، لعدة أسباب:
أولها، أي صفة عليا أن أخاطبك بها، إرهابي ، مجاهد في سبيل إعلاء راية الإسلام ، داعية، واعض، شخصية سياسية، قائد جيش إسلامي، خبير القانون الدستوري، إطار الجبال..
ثم، وأنا أستمع، للهجتك، وصوتك، و أنت تتحدث عن جرم اقترفته بكل برودة ، في إحدى وسائل الإعلام، رغم أن القانون يمنع من الخوض والنبش في جروح المأساة الوطنية ( القانون الذي يمنعنا ولا يمنعك)…
وأنا أقرأ لعدد من رسائلك وأنت تكتب لبوتفليقة ذات شتاء 2011، عندما حذرته من مغبة ما هو قادم إن لم ينتفض بسرعة في اتجاه الإصلاح الشامل، وأطلعته أن إجتماع قادة الجيش الإسلامي للإنقاذ : ” كاد بنا اللقاء أن يخرج بقرار خطير لولا بقية من العقل فينا..”…
وأنا أقرا رسالتك، لجريدة “الخبر” بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيسها، قلت أنها رسالة لتقييم المسار المهني للجريدة التي اصطفت طبيعيا في صف الانقلابيين الظلاميين، بعدما قلت أن الحرب التي أضرموها وأجبرونا على ولوجها..فحاربنا بالسلاح مكرهين من حرص واجتهد في قتلنا…وكيف سمحت لنفسك بأن تخرج شهيد القلم عمر أورتيلان ، من قبره مجددا لتطرح عليه أسئلة ، ثم قمت أنت بالإجابة عن تلك الأسئلة مكانه و هو في قبره، ومنحت لنفسك حق الحديث باسم شهيد قلم، قتل كما قتل الجندي الشاب، وهو في قبره لا تتحدث إليه سوى الملائكة في دار الخلد، وكيف وجهت خطابا لأصحاب الجريدة وقراءها بلسانه وهو في القبر…
ثم كيف مدحت الصلح بينك و بين الخبر التي بدأت تنشر مقالاتك تلك، التي كان يحاربها عمر أورتيلان وسعيد مقبل وبختي بن عودة من أصدقاء المهنة، بعد كل تلك المعارك بالسلاح في الجبال..
وأنا أستمع وأقرا، لخطابك (المحذوف بخوارزميات “الكفار” في وسائط التواصل الاجتماعي التي تحارب خطابات العنف والتحريض والكراهية)، أثناء انعقاد المخيم الصيفي لأفراد الجيش الإسلامي للإنقاذ بمستغانم غرب البلاد…
وقرأت الرسالة اللاذعة لعلى علي بن فليس، قبل أن تصفه بالرجل المحنك في رسالة الدعوة للمشاركة في انتخابات 12-12…وغيرها من الرسائل…
حينها زادني الخوف، لغاية التعرق و الأرق ليلا…وأنا أسأل نفسي : كيف قرّرت أنا أكتب لمدني مزراق، كيف خطر ذلك في ذهني، هل أصابني الجنون أم ماذا…
ألست خائفا عن نفسي وأسرتي وعائلتي..إنه ورغم ذلك، قد استضيف على بساط أحمر ودخل قصر الرئاسة المحروس حراسة العفريت للعقد ، واستضيف استضافة الزوج للعروس يوم دخلتها، بمقرات التلفزيونات الفضائية…
وفجأة، تذكرت أنني إرهابي، ومن المفروض أن يخاف هو مني وليس العكس…
كيف لا وقد صنفوني أنا ورفيقي الشيوعي قدور شويشة وزوجته الصحفية ونشطاء من شباب الحراك المسالم، الذين لم يرفعوا سوى رايات وطنية ولافتات، و زملائي الصحفيين الذين لم يرفعوا سوى هواتف وألات تصوير وأقلام ومقالات لتنقل أصوات ملايين الجزائريين والجزائريات، كإرهاب دولة يجب ضربهم بيد من حديد، رغم أنهم لم يصعدوا للجبال كما فعل مدني مزراق ورفاقه ، بل نزلوا للشوارع التي وزعت الحلوة والورد ونظفت الممرات والطرقات بكل سلمية، حبا في البلاد ووفاءا لتضحيات شهدائها …
فجأة، زاد فضولي، وقضى على شيءمن الخوف الذي انتابني، لأسئله، مقارنا بيني وبينه وبين رفاقي السلمين ورفاقه المسلحين، كيف حدث ذلك، كيف أصبح متمتعا بكل تلك الحقوق المدنية والسياسية ، بل صاحب رؤى واستشارة في مسائل مصير العباد والبلاد..
..ونحن أصبحنا إرهابا يحق فينا، ما كان بالأمس، حقا فيه، يجزى من يبلّغ عنه وعن مكان وجوده أو يضع حدا لحياته..
مدني مزراق، أريدك، وأنت لك الحق في القيام بذلك، و لن تتعرض للمسائلة أو الاعتقال كما سيحدث معي مجددا ، أن تكتب لنا ولهم ، لتسألهم ، كيف يصبح الصحفي، و الأستاذ الجامعي، والمحامي، والحقوقي، والناشط الحقوقي، والمواطن البسيط التواق لحياة أفضل، إرهابيا وهو لم يحمل السلاح قط، وهو لم يصدر أي فتوى أو دعوى لحمل السلاح ضد سلطة الدولة ومؤسساتها رغم أن عين الاعتراض الشعبي ، بل وزعوا لها الحلوة والورود الحمراء قبل الصفراء والبيضاء..
أريدك، بل سأتنازل عن جزء من كراماتي، لقول لك : ألتمس منك يا مدني مزراق ، لتكتب لهم ، وتقول:
” هؤلاء ليسوا منا ولسنا منهم في شيء ، هؤلاء لم يحملوا سوى رايات ولافتات كتب عليها : دولة مدنية ماشي عسكرية، هؤلاء كتبوا جيش عشب خاوة خاوة، هؤلاء كتبوا : الحرية للمعتقلين هؤلاء كتبوا وكتبوا وابدوا لم يحملوا ولا سكين مطبخ..”.
التمس منك، مدني مزراق، وأنت تعلم، علم اليقين، أنه لو كان سعيد مقبل وعمر أورتيلان وبختي بن عودة وغيرهم من المناضلات النسويات والنقابيين بيننا اليوم ، كانوا سيكتبون لك بأسلوب أكثر حدة و لاذعة..
لكن اخترت ان اكتب مكانهم، وسط كل هذا القمع والترهيب والتخويف والمضايقات، لأعبر من خلالك لهم عن الرفض التام لهذا الانحطاط والتواطئ والخيانة والجرم في مواجهة حراك سلمي في شكله ومضمونه، بتهم الإرهاب في وقت سبق وأن كرم الإرهاب تكريم العاشقين المتحصرين..
أنا في انتظارك يا سيد القوم..
الإرهابي سعيد بودور بلسان رفاقه