الذكرى الـ 5 لوفاة الصحافي محمد تامالت… من المسؤول؟
تمر اليوم الذكرى الخامسة لوفاة الصحافي محمد تامالت، ويقف الرأي العام الجزائري والحقوقي العالمي ككل عام أمام عدة علامات استفهام بين الأسباب الحقيقية لوفاته ومن المسؤول المباشر عنها؟ في ضل غياب أي تحقيق مستقل وشفاف يدحض كل الروايات.
وتوفي المدون والصحافي محمد تامالت، الأحد 11 ديسمبر 2016، داخل زنزانة خاصة بالمساجين المرضى بمستشفى محمد لمين دباغين بباب الواد، بالجزائر العاصمة، أين كان مضربا عن الطعام احتجاجاً على سجنه بسبب كتابته قصيدة هاجم فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ونشرها على الأنترنت.
ونشر يومها محاميه، الأستاذ أمين سيدهم، منشور تأكيد الخبر على صفحته على فيسبوك، قائلاً: “نؤكد وفاة الصحفي محمد تامالت في مستشفى باب الواد بعد إضرابه عن الطعام لأكثر من ثلاثة أشهر ثم دخوله في غيبوبة دامت ثلاثة أشهر”.
وكان تامالت (42 عاما) كاتباً صحفياً ويدير الموقع الإلكتروني “السياق العربي” من العاصمة البريطانية، مقر إقامته منذ عام 2002، ينشر من خلاله مقالات تحمل انتقادات لاذعة ضد الرئيس بوتفليقة، ضد مسؤولين مدنيين وعسكريين في السلطة وأفراد من عائلاتهم، من أجل حثهم على “تحسين حقوق الإنسان في الجزائر والكف عن نهب المال العام”.
وقد عمد إلى دخول الجزائر منتصف شهر جوان 2016 لرؤية والدته التي كانت مريضة، بعد تلقيه ضمانات بعدم تعرضه للسجن من نائب في البرلمان، عن حزب العدالة والتنمية. وهو مالم لم يستمر طويلاً، إذ تعرض للاعتقال بعد أيام قليلة من وصوله إلى الجزائر.
وقد بدأ تامالت، الذي يحمل أيضاً الجنسية البريطانية، “إضرابًا عن الطعام ليلة القبض عليه بالقرب من منزل والديه في العاصمة الجزائر في 27 جوان”، وفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وقد أدين في 11 جويلية 2016 من طرف محكمة سيدي أمحمد “بسنتين حبس نافذة وغرامة مالية بقيمة 200 ألف دينار” عن تهم “الإساءة إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة” و”إهانة هيئة نظامية” على خلفية “قصيدة نشرها على الفايسبوك”. وتم تأكيد الحكم بعد الطعن في 09 أوت أمام مجلس قضاء العاصمة.
منظمات حقوقية تعبر عن “صدمتها” لوفاة تامالت
عبرت عديد منظمات حقوق الإنسان عن صدمتها لوفاة المدافع عن حقوق الإنسان، محمد تامالت، مطالبة بفتح تحقيق مستقل لكشف ملابسات وظروف وفاته.
وأعربت منظمة “مراسلون بلا حدود” عن “صدمتها” لوفاة تامالت. وقالت ياسمين كاشا مديرة “مراسلون بلا حدود” في شمال أفريقيا في بيان “إن هذا النبأ يشكل ضربة قوية لكل المدافعين عن حرية الإعلام في الجزائر”. وتساءلت “لماذا هذه الإدانة بسبب تصريحات عبر فيسبوك لا تهدد أحدا؟” مطالبة بإجراء تحقيق حول ملابسات وفاة الصحفي.
من جهتها دعت منظمة “العفو” الدولية الأحد السلطات الجزائرية إلى “فتح تحقيق مستقل ومعمق وشفاف في ملابسات وفاة” الصحفي. فيما كانت “هيومن رايتس ووتش” قد طالبت منذ أوت 2016 من السلطات الجزائرية “بإلغاء حكم السجن بحقه”.
سبب الوفاة هو: التهاب الرئتين !
أوضحت المديرية العامة لإدارة السجون، في بيان نشر في 13 ديسمبر، أن سبب وفاة الصحفي محمد تامالت هو “التهاب في الرئتين اكتشفه الأطباء قبل عشرة أيام وبدؤوا بمعالجته منذ 4 ديسمبر”. وأضاف البيان أنه “في صبيحة يوم الأحد 11 ديسمبر ازدادت حالته تدهورا ليتوفى بسبب ذلك”.
من جهته خرج وزير العدل الطيب لوح، ليغسل يد النظام من الجدل القائم، وليقول: “أن الفريق الطبي الذي جند للتكفل بالوضع الصحي للصحفي محمد تامالت قد بذل كل ما في استطاعته منذ حوالي 4 أشهر لإنقاذ حياته لكن للأسف توفي”.
وأضاف أن وكيل الجمهورية “قد أمر ديسمبر بالتشريح الطبي للجثة كما هو معتاد في كل هذه الحالات، ونتائج التشريح ستبلغ وفق القانون”.
عائلة تامالت ترفع دعوى قضائية
قام شقيق محمد تامالت برفع دعوى قضائية لفتح تحقيق بخصوص وفاة شقيقه في السجن، وهو ما أكده وزير العدل يومها.
وكانت عائلة تامالت تحدثت لوسائل إعلام عن تعرض ابنها “لسوء معاملة في السجن، وعدم السماح لها بزيارته”.
وقد لاحظ بعض أفراد عائلة تامالت الذي تمكنوا من زيارته “وجود ندبة مقلقة على رأسه والتي من الممكن أن تكون لها علاقة في وفاته” حسب تحليلاتهم.
فيما طالب محاميه، أمين سيدهوم، من وزارة العدل في تصريح صحفي، “تسليمه ملف تامالت الطبي كاملا لكي يعرضه على أطباء مختصين ومستقلين لتحديد أسباب وفاته في السجن”.
نتيجة التشريح: سبب الوفاة تعود إلى تعفن الدم وتعطل العديد من أعضاء الجسم
أكدت المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في 26 ديسمبر 2016، أن تقرير تشريح جثة المرحوم محمد تامالت، الذي أشرف عليه 3 أطباء شرعيين، خلص إلى “انعدام أي أثار عنف حديثة أو قديمة على كامل أنحاء الجسم”، مشيرة إلى أن هذه الخلاصة “تؤكد عدم صحة المزاعم بخصوص سوء المعاملة والعنف الذي يكون قد تعرض له المرحوم”.
وأكد البيان، أن التقرير أشار إلى “وجود أثار جرحين ناجمين عن عمليتين جراحيتين على مستوى فروة الرأس، العظم الجبهي والجهة اليمنى لعظام الجمجمة، ذي صلة مع اشتقاق البطين الخارجي، فتحة على مستوى القصبة الهوائية، وفتحة أخرى قصد تصريف قاعدة الصدر”.
وأضاف التقرير أن “السبب المباشر للوفاة كان نتيجة صدمة خطيرة إنتانية ناتجة عن تعفن الدم وتعطل العديد من أعضاء الجسم: الدماغ، غشاء الجنب، الرئتين، المرارة والجهاز البولي رغم العناية الطبية المكثفة”.
ونقلت المديرية العامة لإدارة السجون عن التقرير أن “هذه الحالة، عادة ما يتم معاينتها لدى الأشخاص الماكثين لفترة طويلة في إحدى المرافق الصحية للرعاية المركزة في حالة غيبوبة”.
وأضاف ذات المصدر “أن هذه الخلاصة تؤكد عدم صحة المزاعم الصادرة عن دفاع المعني التي نشرت في بعض الصحف بخصوص سوء المعاملة والعنف الذي يكون قد تعرض له المرحوم”.
وفي الأخير استنكرت المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج “كل محاولات الاستغلال المغرض لوفاة محمد تامالت”، مؤكدة تمسكها “بحقها في اللجوء إلى القضاء وفقا للقانون”.