القاضي سعد الدين مرزوق: لا يمكن تحميل نصوص تجاوزها الزمن الحقوقي للقضاة وإغفال مسؤولية الفاعل البرلماني الذي سنها
ماكنت لأخوض مع الخائضين لولا اطلاعي كغيري من المواطنين عبر الوسائط الرقمية والصحف الورقية لرد المدعو زغماتي بلقاسم، وزير العدل حافظ الأختام، على رسالة السيد نكاز رشيد المحبوس بمؤسسة إعادة التأهيل بالقليعة أول أمس، وما صاحبه من جدل ولغو حقوقي أحيانا، وبهدف إثراء النقاش الإجرائي القانوني الصرف المفيد للعدالة والوطن وددت طرح وجهة نظر قابلة للتصحيح والمراجعة والإضافة.
إن التحقيق هو دون شك من أجمل وظائف القضاء على قول الفقيه الفرنسي Pierre Chambon، ومن المعلوم بالضرورة في القانون أن قاضي التحقيق ليس محكمة موضوع بل أن دوره ينقصر على جمع الأدلة والأعباء عن الجرائم وليس له أن يعمل على تقدير قيمتها لأن ذلك من سلطة قضاء الحكم.
كما يستند أمر الإيداع رهن الحبس المؤقت ودون تقعيد فقهي أو قانوني يعقد الفهم على مرتكزين:
1- خطورة الفاعل ” إذا كان من عتاة المجرمين. “
2- خطورة الفعل ” أو ما يصطلح عليه بالوقائع الخطيرة.”
ويقوم عمل قاضي التحقيق على أساس الموازنة بين حرية الفرد المقدسة والحبس وكلاهما نقيض الآخر! وهو أمر لا يخلوا من الصعوبة والنقد! كما أنه يطرح عدة إشكالات فقهية جنائية سواء ” كنظام قاضي التحقيق وإضفاء تعديلات عليه بإدراج قاضي الحريات والشاهد القابل للاتهام! أو مشاكل إجرائية أثناء سير مدة الحبس المؤقت وتجديدها…!! ” كان يطلق عليها la détention préalable أي السابقة للمحاكمة وبعد ذلك la détention préventive أو الحبس الاحتياطي مثلما هو جاري على لسان العموم.
ومن خلال ما اقترحه جميع الأطراف من رسائل وردود مطروحة للرأي العام وغير خاضعة لمبدأ سرية وخصوصية المراسلات كالتزام أخلاقي قبل أن يكون قانوني يمكن القول:
1 – أنه لا وجود في القانون لما يسمى تجديد الحبس المؤقت بأثر رجعي وإنما غرفة الاتهام ممثلة برئيسها طبقا لنص المادة 204 من قانون الإجراءات الجزائية هي المسؤولة عن مراقبة الحبس المؤقت، وهو ما ذهبت إليه مذكرة صادرة عن المفتشية العامة لوزارة العدل مؤرخة في 29 سبتمبر 2019 ” بالرغم من مخالفتها للمرسوم التنفيذي 05 322 الناظم لعمل المفتشية العامة وتجاوزها لاختصاصاتها المحددة قانونا كون المفتشية العامة ليست محكمة نقض «.
2 – يعتبر أمر إرسال المستندات الصادر من السيد قاضي التحقيق، المتضمن نقل وثائق الملف إلى النيابة العامة لجدولة القضية أمام غرفة الاتهام ، أمرا إداريا، لا يقبل الطعن فيه بالاستئناف ” قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 22 مارس 2017 ” وبالتالي يمكن للنائب العام رده للسيد قاضي التحقيق بموجب مراسلة إدارية في حالات استثنائية.
3 – لا وجود لمرافعات plaidoiries أمام غرفة الاتهام بل ملاحظات شفوية des observations orales طبقا لنص المادة 184 قانون إجراءات جزائية.
4 – لا وجود لحبس تعسفي une détention arbitraire ، ذلك أن المصطلحات القانونية تتسم بالدقة وليست مجرد عبارات إنشائية لدغدغة شعور العامة ، والمرجع تفسيرها قانون الإجراءات الجزائية الذي يسميها حبس غير مبرر une détention non justifiée وفقا للمادة 204 قانون الإجراءات الجزائية.
في حين أن الحبس التعسفي مجاله باب الاعتداء على الحريات، فالمادة 110 من قانون العقوبات تمنع حرمان أي شخص من حريته دون سند قانوني يأمر بحبسه، كما أن مدير المؤسسة العقابية أو أي عون في مؤسسة إعادة التربية لا يمكنه أن يقبل شخصا دون استظهار السندات القانونية لحبسه وفق قانون تنظيم السجون، وإلا اعتبر مرتكبا لجنحة الحجز التحكمي أو الحبس التعسفي détention arbitraire où attentatoire ، وهو الأمر الذي ينطبق كذلك على الضبطية القضائية من شرطة درك وأمن عسكري في أماكن التوقيف للنظر أو الحراسة القضائية la garde à vue وفقا لنص المادة 110 مكرر والتي قد تصل عقوبتها إلى 10 سنوات إذا أخذت الطابع الجنائية.
5 – تتحدث المذكرة الوزارية المنوه عنها آنفا “والتي تعد قرار إداري قابل للسحب على غرار مذكرة دعت من خلالها الوصاية القضاة للوشاية ، كما أنها قابلة للإلغاء لعيب الاختصاص أو الانحراف في استعمال السلطة من كل ذي مصلحة أمام مجلس الدولة ” ، عن اعتبار من قام بتجديد الحبس المؤقت بأثر رجعي قائما بخطأ مهني في حين يكيفها البعض في ندوة صحفية بالسابقة الخطيرة التي من شأنها تشويه سمعة الجزائر في الخارج ، وكلاهما في رأينا لم يحالفه الصواب فلا هو بالخطأ الجسيم بمفهوم المواد 61 و62 من القانون العضوي 04 11 المتضمن القانون الأساسي للقضاء ولا هو خطأ “عادي” بمفهوم المواد 60 و 64 من نفس القانون الذي يحيلنا على مدونة أخلاقيات مهنة القضاة، فالخطأ جسيما كان أو عاديا وفق التطبيقات القضائية المقارنة يتمثل في كل قصور ناتج عن فعل أو عدة أفعال تعكس عدم قدرة مرفق القضاء عن تحقيق الغاية من إنشائه، مع عدم إمكانية تدارك ذلك الخطأ عبر إتباع طرق الطعن القانونية .
6 – مبدئيا لا وجود أيضا لحبس تعسفي حسب الحالات الخمس 5 المحددة عن طريق فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي المنشئ من طرف لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، ضمن قرارها 1991 / 42 ، باعتبار الجزائر طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
7- التصنيف الأصح وفق منظورنا ومما تقدم هو وجود أغلاط إجرائية قانونية ” جمع غلط ” بمفهوم l’erreur لا بمفهوم الخطأ la faute الذي قد يكون حمالا للعمدية ” la préméditation ” المرتب لمبدأ المسؤولية والمحاسبة سواء بالمساءلة التأديبية للقاضي أمام المجلس الأعلى للقضاء أو المساءلة الجزائية أمام المحاكم.
8- احتمالية أو فرضية وجود خطأ قضائي موجب للتعويض المادي والمعنوي وناتج عن الحبس المؤقت غير المبرر ” النص الفرنسي المقابل للعربي يتحدث عن l’erreur وهو الأصح ” ، وفقا للمواد 137 مكرر وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية المستحدثة بموجب تعديل 2001 ، أمر سابق لأوانه لكون القضية لم تنته بانتفاء وجه الدعوى أو بحكم نهائي بالبراءة.
9 – منذ عهد الجمهورية الثالثة بفرنسا، وعلى اثر انتفاضة قلم ايميل زولا سنة 1898 لما وجه رسالته الشهيرة ” j’accuse” لرئيس الجمهورية فيلكس. ف faure félix دفاعا عن القبطان Dreyfus والتي هزت أركان المؤسسات القضائية والعسكرية آنذاك قبل العفو عن القبطان وتقليده وسام الشرف واعتبار سجنه أحد أكبر الأخطاء القضائية بالقرن العشرين، لم تعترف فرنسا منذ ذلك الحين سوى بسبع أو ثمان أخطاء قضائية.
10 – وبالمثال يزول الإشكال ويتضح المقال، نضرب مثلا بقضية Éric de Montgolfier وكيل جمهورية نيس سابقا وأحد أشهر قضاة النيابة بفرنسا والمعروف ب le procureur inclassable et incorruptible والذي ذاع صيته في عدة قضايا محاربة فساد منها ترتيب المباريات مقابل رشاوى سنة 1993 لصالح فريق أولمبيك مرسيليا l’OM ورئيسه المثير للجدل والنافذ في دوائر صنع القرار السياسي Bernard Tapie، وكيل الجمهورية إريك الأحمر Éric le rouge تمت متابعته في قضية اعتداء على الحريات الفردية تعود لجانفي 2003، لما قرر الإبقاء على متهم ” سارق مجوهرات دولي” رهن الحبس بتعليمات هاتفية لمدير السجن بالرغم من قرار قاضي الحريات عدم تجديد حبسه المؤقت ووضعه تحت الرقابة القضائية، خشية فراره لغاية رجوع إنابة قضائية دولية من هونغ كونغ لنفس المتهم jean herrina المدعو “السلطان le sultan ” والمرتبطة بالملف الأول والمتعلقة بسرقة خاتمين من الألماس.
وفي الأخير لا يمكن تحميل نصوص معطوبة حسا ومعنى أو تجاوزها الزمن الحقوقي للسادة القضاة وإغفال مسؤولية الفاعل البرلماني الذي سنها.