كشفت صحيفة أمريكية، الإثنين، بعض الجوانب الخفية في عملية إعادة فرنسا لرفات 24 جزائري، شهر جويلية 2020، كانت مُخزنة في متحف الإنسان بباريس.
وقالت التايمز الأمريكية انه وفقاً لوثائق من المتحف والحكومة الفرنسية، التي حصلت عليها مؤخرًا، تُظهر أنه في حين أن “06 من الجماجم كانت تعود لشهداء المقاومة الشعبية من أصل 24 رفات”، ولم يتم التأكد من أصول الجماجم المتبقية، إذ يعود بعضها “للصوص مساجين و3 منها لجنود مشاة من الجزائريين الذين خدموا في الجيش الفرنسي”.
رحبت الجزائر في عام 2020 بقرار الحكومة الفرنسية إعادة 24 جمجمة تعود لبعض لأبطال المقاومة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، واحتفلت باريس والجزائر بهذه “اللفتة القوية” باعتبارها علامة فارقة في الجهود الساعية إلى إعادة بناء العلاقات. وقد أعرب الوزير الأول أيمن عبد الرحمان عن ارتياح الحكومة الجزائرية “لعملية إعادة الجماجم” خلال زيارة رئيسة الوزراء الفرنسية للجزائر الأسبوع الماضي.
وأشارت الصحيفة، أيضاً، إلى أن الموافقة على الإعادة تمت بموجب اتفاقية وقعتها الجزائر وباريس في 26 جوان 2020، عبر ملحق من أربع صفحات، على أن ملكية الجماجم ستبقى للحكومة الفرنسية حتى بعد تسليمها للجزائر في عام 2020.
ولم تعترف أي من الحكومتين بهذه الحقائق في محاولة للحفاظ على المنافع الدبلوماسية التي جلبتها عملية ”الإعادة المعيبة“ كما وصفها التقرير.
ولم ترد الحكومة الجزائرية على طلبات التعليق، وفقاً لنيويورك تايمز، كما رفض مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التعليق، وأعاد توجيه الأسئلة لوزارة الخارجية الفرنسية، التي قالت ”إن عملية إعادة الجماجم تمت بموافقة الطرفين“.
وبرزت قضية ”الجماجم” لأول مرة في أوائل عام 2010، عندما بدأ المؤرخ الجزائري علي فريد بلقادي البحث في متحف الإنسان بباريس، الذي يحتوي على ما يقرب من 18000 بقايا جماجم بشرية من جميع أنحاء العالم، يعود تاريخها إلى بدايات التاريخ البشري حتى القرن العشرين، وقد تم جمعها من خلال الحفريات الأثرية والحملات الاستعمارية، ومن بينهم العشرات من زعماء القبائل في غرب إفريقيا، والأمريكيين الأصليين، والمتمردين الكمبوديين.
واكتشف بلقادي أن المتحف لا يزال يحتوي على جماجم لمقاتلين ومدنيين خلال الغزو الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر، وتم حفظ الجماجم في صناديق من الورق المقوى، وكان من بينهم قادة المقاومة من معركة الزعاطشة التي قضيت عليها القوات الفرنسية بوحشية عام 1849، حيث عُرضت الرؤوس على أعمدة واعيدت لاحقا إلى فرنسا ككؤوس حرب.
وقام بلقادي والعديد من الخبراء بحملة لسنوات من أجل إعادة رفات المقاتلين، وفي عام 2017، بعد أن قالت السلطات الجزائرية إنها تريد إعادة الجماجم، وأعلن ماكرون أنه وافق على “إعادة جماجم الشهداء الجزائريين”، وشكلت لجنة فرنسية جزائرية لتحديد الرفات التي يمكن إعادتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة كانت رئيسية في جهود ماكرون للمصالحة مع الجزائر من خلال أعمال رمزية للاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي، ولكن ماكرون كان يسير، أيضاً، على أرض حساسة، إذ لم تكن فرنسا على النقيض من دول أخرى، تحدد سياسة واضحة فيما يتعلق بمجموعاتها من بقايا الحقبة الاستعمارية. ووفقاً لتقرير مجلس الشيوخ، تمت إعادة حوالي 20 مجموعة فقط من الرفات خلال العقدين الماضيين، إلى دول مثل جنوب إفريقيا أو نيوزيلندا، بعد سنوات من المقاومة الشديدة.
وأوضح التقرير أن أحد أسباب ذلك هو أن الأشياء الموجودة في المجموعات العامة الفرنسية تُعتبر ملكا لفرنسا ولا يمكن تغيير الملكية ما لم يتم التصويت على الإرجاع في القانون، وهي عملية مرهقة وتستغرق وقتا طويلا. لكن كلارا بوير روسول، المؤرخ الذي درس البقايا من مدغشقر، قال إنه على الرغم من الجهود الأخيرة لمزيد من الشفافية، فقد تم الاحتفاظ بمجموعات الجماجم في متحف البشرية تحت “تعتيم معين” خوفا من أن البحث قد يفتح الباب على مصراعيه أمام طلبات التعويض وإلقاء ضوء قاس على الإرث الاستعماري لفرنسا.
وأفاد تقرير سري أصدره المتحف في عام 2008، أنه يضم المئات من الرفات “التي يُحتمل أن تكون موضع نزاع”، والتي يمكن طلبها في المستقبل، وهي تشمل عظاماً تعود إلى زوجة مؤسس إمبراطورية توكولور في غرب إفريقيا في القرن التاسع عشر، وبقايا أمير حرب سوداني حكم جزءا من تشاد في تسعينيات القرن التاسع عشر، وعظام عائلة من الإنويت الكنديين.
وقال العديد من الأكاديميين والمشرعين إنهم يشعرون بالقلق من التعويضات، التي تفلت من الصرامة العلمية والتشريعية في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا تحسين علاقاتها مع الدول الإفريقية من خلال إعادة بعض الأعمال الفنية وبقايا الحقبة الاستعمارية. وأفادت وزارة الخارجية الفرنسية أن الحكومة تعمل على مشروع قانون لتنظيم عملية الإعادة في المستقبل، إلا أن أغلبية البرلمان المؤيدة لماكرون رفضت اقتراحاً لإنشاء مجلس استشاري علمي بشأن التعويضات، ولم يصادق ائتلاف ماكرون في البرلمان على مشروع قانون طرحه نائب يساري الأسبوع الماضي، لإعادة كل الجماجم إلى الجزائر.
واستشهد أعضاء مجلس الشيوخ، إلى جانب العديد من العلماء، بزخرفة عادت مؤخرا إلى مدغشقر، التي لم تحصل على ملكية كاملة للعنصر، مثل الجزائر، بسبب عدم وجود قانون، وأشاروا أيضاً إلى سيف من القرن التاسع عشر تم تسليمه إلى السنغال وإلى تماثيل وعروش عادت إلى بنين في ظل ظروف غائمة مماثلة.
وقال تقرير لمجلس الشيوخ إن عمليات الاسترداد هذه قد نُفّذت “في ظل غموض كبير، مما يعطي الانطباع بأن الأمور الدبلوماسية تفوقت على كل شيء آخر”.