طالبت منظمة “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” في تقرير جديد السلطات الجزائرية بالإفراج فورا عن الناشط سليمان بوحفص المحتجز قيد التحقيق مع ضمان حريته في مغادرة البلاد. كما دعت السلطات التونسية إلى التحقيق في اختطافه وإعادته قسرياً إلى الجزائر مع محاسبة كل من تورط في ذلك.
قالت منظمة “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ على السلطات الجزائرية الإفراج فورا عن سليمان بوحفص، الناشط الجزائري الذي اختفى قبل عام في تونس، والمحتجز الآن قيد التحقيق من قبل محكمة جزائرية، مع ضمان حريته في مغادرة البلاد.
كان بوحفص يعيش في تونس كلاجئ، ثم ظهر وهو محتجز لدى الشرطة الجزائرية في ظروف غامضة. على السلطات التونسية التحقيق فيما بدا أنه اختطاف وإعادة قسرية إلى الجزائر، ومحاسبة كل من تورط في ذلك.
قالت آمنة القلالي، نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “فرّ سليمان بوحفص من الجزائر بعد اضطهاد السلطات، فمنحته مفوضية شؤون اللاجئين الأممية حماية دولية في تونس. آخر مكان يجب أن يكون فيه بوحفص هو السجن الجزائري، لمواجهة محاكمة محتملة”.
في 25 أوت/آب 2021، ظهر رجال مجهولون في ملابس مدنيّة أمام منزل بوحفص في تونس العاصمة، وأجبروه على الركوب في سيارة، واقتادوه بعيدا، بحسب ما قالته عائلته نقلا عن شهود. في 1 سبتمبر/أيلول 2021، ظهر بوحفص في محكمة جزائرية، حيث فتح قاضٍ تحقيقا جنائيا ضدّه بسبب صلاته المزعومة بـ” الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل”، التي تعتبرها الجزائر منظمة إرهابية، وبسبب منشوراته المزعومة على “فيسبوك”، في سياق من التجريم المتصاعد للنشاط السلمي. كانت السلطات الجزائرية قد سجنته في السابق لمدة عامين بسبب تعليقات نشرها على فيسبوك واعتبرتها مسيئة للإسلام.
بوحفص (55 عاما) ناشط أمازيغي ومعتنق للمسيحية. في 2016، حكمت عليه محكمة جزائرية بالسجن ثلاث سنوات بموجب المادة 144 مكرر من قانون العقوبات، التي تجرّم الإساءة العلنية للنبي محمد والاستهزاء بالإسلام. قالت عائلته إنه تعرّض إلى سوء المعاملة في السجن. في 2018، أطلق سراحه بعفو رئاسي، وانتقل إلى تونس، وتقدّم بطلب لجوء لدى “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (المفوضية).
ورد في رسالة دعم من مجموعة حقوقية جزائرية أطلعت عائلة بوحفص هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية عليها أنّ بوحفص كان يخشى أن يُحاكم مجددا من قبل المحاكم الجزائرية انتقاما من نشاطه. منحته المفوضية حق اللجوء في 2020 بموجب اتفاق لها مع السلطات التونسية.
قالت عائلة بوحفص، نقلا عنه، إنّ الرجال الذين اختطفوه وضعوا له كيسا على رأسه، ثم نُقل بسيارة إلى الحدود الجزائرية ومنها إلى منشأة تابعة للشرطة في الجزائر العاصمة، وكان خاطفوه يهدّدونه أثناء الرحلة.
لم تعرف أسرة بوحفص مكانه طيلة أربعة أيام. في 29 أوت/آب، سمعوا من خلال اتصالات غير رسمية أنه محتجز في مركز للشرطة في الجزائر العاصمة.
في 1 سبتمبر/أيلول، أعاد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في سيدي محمد في الجزائر العاصمة، بوحفص إلى السجن على ذمة التحقيق في عشر تهم بموجب قانون العقوبات الجزائري. تشمل هذه التهم الانتماء إلى منظمة إرهابية (المادة 87 مكرر 3)، والإشادة بالإرهاب (المادة 87 مكرر 4)، و”المساس بسلامة وحدة الوطن” (المادة 79)، و”الإساءة إلى الرسول” (المادة 144 مكرر 2)، ونشر أخبار كاذبة (المادة 196 مكرر)، والتحريض على الكراهية والتفرقة والتمييز بسبب الانتماء العرقي أو الإثني (المادة 295 مكرر)، و”الحصول على تمويل أجنبي” (المادة 95 مكرر)، بحسب معلومات حصلت عليها أسرة بوحفص من محاميه ونقلتها إلى هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
في 20 سبتمبر/أيلول 2021، طلب خبراء حقوقيون أمميون مستقلون من الحكومتين الجزائرية والتونسية شرح أي خطوات التي اتخذتها لنقل بوحفص من تونس إلى الجزائر، والأسس القانونية للتحقيق الجنائي ضدّه في الجزائر.
بينما قال نشطاء حقوقيون تونسيون إنّ الرئيس سعيّد قدّم التزامًا شفهيًا بالتحقيق في الاختطاف المزعوم لبوحفص يوم 3 سبتمبر/أيلول 2021، لم تعلّق السلطات التونسية رسميًا على الأمر.
ردّت الجزائر على خبراء الأمم المتحدة برسالة مؤرخة في 7 أكتوبر/تشرين الأول زعمت فيها أنّ قوات الأمن الجزائرية في تبسّة، قرب الحدود التونسية، اعتقلت بوحفص يوم 27 أوت/آب، بعد أن حاول الدخول إلى فندق من دون إظهار بطاقة هويته. قال المسؤولون الجزائريون في الرسالة إنّهم نقلوه بعدها إلى السلطات في الجزائر العاصمة بعد اكتشاف أدلة تربطه بالحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل، المعروفة بالمختصر الفرنسي بـ “MAK” (’ماك‘).
صنّفت الجزائر هذه الجماعة كمنظمة إرهابية منذ ماي/أيار 2021. في الرسالة نفسها، ذكرت السلطات الجزائرية بالتفصيل التهم الموجهة إلى بوحفص بموجب القانون الجزائري. قالت السلطات إنه نشر رسائل على فيسبوك تهاجم الدولة الجزائرية ورموزها ومؤسساتها، وأخرى تشيد بـ ماك، كما أنه ظلّ على اتصال بأعضاء الجماعة.
مع ذلك، لم تصرّح الجزائر علنًا بكيفية دخول بوحفص إلى الجزائر، ومتى تم ذلك وتحت أي ظرف.
قالت بلقيس جراح، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “مرّ عام على اختفاء بوحفص من البلد الذي حصل فيه على اللجوء ثم ظهر محتجزًا في البلد الذي فرّ منه، من دون أي كلمة من كلتا الحكومتين عمّا إذا نُقل إلى هناك ضدّ رغبته. تتحمل السلطات التونسية مسؤولية بموجب القانون الدولي لحماية بوحفص، لكن لا يوجد دليل على أنها سعت إلى التحقيق في المسألة ومحاسبة كل من انتهك حقوقه”.
بحسب أسرته وأحد محاميه، رفضت السلطات الجزائرية طلبات الإفراج المؤقت عن بوحفص أربع مرات على الأقل.
قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إنّ السلطات الجزائرية استخدمت على نحو متزايد التعريف الفضفاض للإرهاب في قانون العقوبات – والذي وسّعه الرئيس تبون بموجب مرسوم في 2021 – لملاحقة النشطاء والمدافعين الحقوقيين. كما استهدفت السلطات مؤخرًا منتقدين آخرين في المهجر بحظر السفر وتسليم المطلوبين.
انضمّت كل من الجزائر وتونس إلى “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” (العهد الدولي)، الذي تضمن المادة 19 منه الحق في حرية التعبير. أيّ قيود على هذا الحق يجب أن تكون متناسبة وضرورية للغاية لتحقيق غاية مشروعة.
بصفتها طرف في اتفاقية الأمم المتحدة والاتفاقية الإفريقية للاجئين، و”اتفاقية مناهضة التعذيب”، تُعتبر تونس ملزمة باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة اللاجئين قسرًا أو طردهم أو ترحيلهم نحو البلدان التي قد يواجهون فيها تهديدات لحياتهم أو حريتهم، وكذلك جميع الأشخاص نحو البلدان التي قد يتعرضون فيها للتعذيب. تحظر “الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين” لعام 1951 طرد اللاجئين المتواجدين بشكل قانوني في أرض دولة طرف في الاتفاقية، إلا إذا كانت الأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام. وحتى في هذه الحالات، يجب اتخاذ القرارات وفق الإجراءات القانونية الواجبة، إلا لـ “أسباب ملحة تتعلق بالأمن الوطني”.
المادتان 6 و9 من العهد الدولي، اللتان تضمنان الحق في الحياة والأمن، تضعان على الحكومات واجب حماية الأشخاص الضعفاء الخاضعين لولايتها، ومنهم اللاجئون. يتعين على الحكومات التحقيق في أي حالات اختفاء قسري ومحاسبة كل من يثبت تورطه فيها، بحسب التوجيه الرسمي بشأن تنفيذ العهد الصادر عن “لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان”. تنصّ المادة 12 من العهد على حق كل شخص في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.