جمال مرزوق: مأساة معتقلي الرأي
لم يسبق أن خاض سُجناء سِياسيين في تاريخ الجزائر المستقلة بهذا العدد والمدة إضرابات عن الطعام، رغم كل هذا لم ينجح المضربين على عددهم وطول مُدة إضرابهم عن الطعام وكثرة المحاولات المتكررة بتحريك مجلس الشعب أو الساحة السياسية والإعلامية لتعريف بقضيتهم الإنسانية.
حتى ظروف السجن للكثير منهم لا تستجيب لحقوق معتقلي الرأي، فقد صرح الكثير أنهم يُمنعون من الوصول للجرائد ومن مُطالعة الكتب وحتى الاختلاط بالسجن.
موعد الزيارات سِلاح ذو حدين، فنفس السجين تُلح وتشتاق لرؤية الأقارب لكن دموع الأهل حبيسة الجُفُون والابتسامات الصعبة والمُصطنعة، تسبب الألم النفسي لمعتقل الرأي ووخز الضمير يصعب تحمله. رغم كل هذا برهن مُعتقلي الرأي عن قدرة صبر غير متوقعة.
الأقسى من كل هذا هو ذلك السجين الذي يقبع في زنزانة انفرادية بين جدران إسمنتية سميكة كتابوت أو قبر مُصمم للأحياء في عزلة وظلام و صمت مُوحش، لم يعد يريد لعب دور السجين البطل، ولا أن يكون في طليعة المواطنين المدافعين عن الديمقراطية، ولم يعد يريد أن يكون من أبناء هذا الشعب الأخيار، يُريد أن يُنْزل هذا الحمل الثقيل على كتفيه، إنهم يتمنون بكل بساطة فقط مجرد العيش، إن التعسف في السجن أقصى من أن يُحتمل، وخاصة من قبل الشبان المثقفين الذين وهبوا منطقا سليما وتفكير سوي.
في أروقة السجون المعتقلون يتساءلون لماذا يتم تحرير رموز قيادية ويتم الإبقاء على المناضلين البُسطاء، لكنّهم يُدركون سريعًا أنّه لا مكان للإجراءات العادلة في منطق النظام.
هناك من فقد حياته وهناك من جُنّ من الضغط وفقد عقله وهناك الكثير من فقد عمله ومعه مكانته الاجتماعية ويجد صعوبة في إعادة الاندماج الاجتماعي.
في الأخير بقية المعتقلين ليس لهم خِيار إلا التأقلم مع السجن هذا فقط من أجل الاستمرار على قيد الحياة. والأقصى من كل هذا عندما يصبحون مجرد أرقام وأسماء في السجلات ينتظرون فرصة عفو سياسي أو تَغيّر الظروف والمُعطيات السياسية وهم يشاهدون بألم أنّ كل تضحياتهم والضريبة الغالية التي قدموها ولايزالون يقدموها تذهب هباءً وسُدى.
جمال مرزوق ، ناشط ومعتقل رأي سابق