30 أوت… اليوم العالمي للراية الأمازيغية
يحتقل الشعب الأمازيغي في 30 أوت/ أغسطس من كل سنة باليوم العالمي للراية أو العلم الامازيغي الذي يجمعهم تحت راية هوية مشتركة. وقد أعتمد العلم رسميا خلال المؤتمر الأول “للكونغرس الأمازيغي العالمي”، CMA، الذي انعقد بجزر الكناري سنة 1997.
يحتفل أمازيغ العالم في يوم 30 غشت من كل سنة باليوم العالمي للعلم الأمازيغي في بلاد تامازغا، علم عرف عنه أنه الهوية و الثقافة و التاريخ و المجد لكل أمازيغ العالم أينما حلوا و ارتحلوا.
هذا العلم الأمازيغي بألوانه الثلاثة المعروفة والمشهورة، من الأزرق والأخضر ثم الأصفر يتوسطها الأحمر، نجده في كل التظاهرات والاحتفالية والندوات وبخاصة الاحتجاجات. كما يرفع عاليا في العديد من التظاهرات الرياضية خصوصا مباريات كرة القدم. كما لا يغيب هذا العلم عن مجمل محطات نضال الحركة الأمازيغية و تظاهرات الجمعيات المدنية و المنظمات الحقوقية الأمازيغية.
وبالرجوع إلى ألوان هذا العلم الأمازيغي سنجدها ذات إيحاءات و معاني رمزية نقية، فالأزرق للبحر والمحيط و لسكان الساحل، والأخضر للطبيعة و الجبال الخضراء ويمثل سكان السهول والجبال، أما الأصفر فهو للأرض والصحراء.
وقد تم تبنيه رسمياً ولأول مرة من طرف الكونغرس الأمازيغي العالمي، وهي منظمة غير حكومية تضم نشطاء أمازيغ من شمال أفريقيا والصحراء، والتي تهدف إلى الدفاع عن حقوق الأمازيغ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودسترة الهوية الثقافية.
غير أن فكرة هذا العلم ظهرت قبل مؤتمر “تافيرا” بجزر الكناري، في 30 أوت 1997، بسنوات عديدة وتحديدا إلى نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي.
هؤلاء صمموا العلم الأمازيغي
تشير العديد من المصادر إلى أن التفكير في “علم يوحد الأمازيغ” بدأ في سبعينيات القرن الماضي من طرف “الأكاديمية البربرية” في فرنسا، وهي جمعية أمازيغية أسست سنة 1966 من طرف أساتذة وأكادميين وفنانين وصحافيين معظمهم من منطقة القبائل الجزائرية، بينهم محند واعراب بسعود، طاوس عمروش، محمد أركون، عبد القادر رحماني ومحند سعيد هانوز.
وتشير المصادر ذاتها إلى أن أحد أعضاء الأكاديمية الناشط الأمازيغي، يوسف مدكور، هو من أمر بخياطة أول 400 علم أمازيغي سنة 1969، والتي كانت مربعة الشكل في البداية، قبل أن يتدخل الرئيس السابق لحزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، سعيد سعدي، ليقترح أن تصير الراية مستطيلة.
كما تشير مصادر أخرى إلى أن المثقف الجزائري، محند واعراب بسعود، هو من قام بإخراج العلم الأمازيغي سنة 1970، وعرضه لأول مرة أمام أعضاء الأكاديمية الأمازيغية بباريس، وتم الاتفاق على تبني هذا العلم كرمز للقضية الأمازيغية، لكنه لم يلق رواجا كبيرا في تلك الفترة، بسبب التعتيم الذي كان يمارسه الإعلام الحكومي بالبلدان المغاربية.
وإلى جانب إنشاء العلم الأمازيغي فقد عملت جمعية “الأكاديمية البربرية” خلال تلك المرحلة، ومن خلال اهتمامها بالرموز الأمازيغية، على إحياء حرف التفيناغ وهو لغة الكتابة الأمازيغية قديما.
وخلال مظاهرات الربيع الأمازيغي سنة 1980، والتي تلت منع محاضرة للكاتب مولود معمري، حمل نشطاء علم الأمازيغ لأول مرة، والذي لم يكن معروفا آنذاك، والتي انتهت باعتراف الدولة الجزائرية بالأمازيغية، لغة وطنية ورسمية، انطلاقا من اعتراف سابق بالبعد الأمازيغي، كمكون جامع بين جميع الجزائريين.
ولم يتجاوز هذا العلم حدود منطقة القبائل، حتى ظن الأمازيغ أنه علم يخص منطقة القبائل بالجزائر فقط، لكن اعتماده بشكل رسمي من طرف الكونغرس الأمازيغي لتمثيل أمازيغ العالم يوم 30 أوت/أغسطس1997، جعله معروفا ومتداولا بجميع الدول، لاسيما في السنوات الأخيرة، خاصة مع انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولو أن “بداية انتشار العلم بين أوساط المثقفين والنشطاء قد رافقت بداية تدويل القضية الأمازيغية في المحال الدولية والأممية، وذلك في بدايات تأسيس الكونغريس العالمي الأمازيغي سنة 1995”.
ومع اعتماده راية رسمية للأمازيغ، صار يحمل ثلاثة ألوان، وأصبحت الجمعيات الثقافية تستخدمه خلال نشاطاتها ومؤتمراتها، ما عزز مصداقيته و إجماع أمازيغ العالم حوله.
معنى الراية الأمازيغية
و تؤكد تعريفات متواترة عن الكتب المتعلقة بتاريخ الأمازيغ، وحتى تدوينات المهتمين بالثقافة الأمازيغية، على أن الألوان التي اختارها محند واعراب بسعود ترمز إلى أبعاد محددة، بحيث لم ينتقيها بشكل اعتباطي.
ويؤكد الحسين بويعقوبي الأستاذ الجامعي والباحث في الثقافة الأمازيغية أن ألوان العلم ترمز إلى الرقعة الجغرافية لـ”تمازغا”،أي مناطق تواجد الشعوب الأمازيغية، والممتدة من المحيط الأطلسي الى واحة سيوة بمصر ومن البحر المتوسط إلى نهر النيجر في غرب إفريقيا.
وبحسب الناشط الأمازيغي الليبي مادغيس ؤومادي، فإن الأزرق يدل على سواحل المنطقة المغاربية وأن الأخضر يرمز لجبال الأمازيغ، أما الأصفر فيشير لرمال الصحراء، حيث يتواجد أمازيغ الطوارق، في حين يذكر الرمز الأحمر المعروف لدى الأمازيغ بدماء المناضلين الذين سقطوا دفاعا عن القضية.
ويؤكد المناضلين أن العلم الأمازيغي له طبيعة ثقافية وهوياتية توحد كل الأمازيغ أينما كانوا، كما يجسد قيم “الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية”. وفي كل مناسبة يجددون التأكيد على أن علمهم ذي الألوان الأربعة لا يتعارض مع الأعلام الوطنية لكل بلد من بلدان شمال أفريقيا.
بين الإقرار والتجريم للعلم الامازيغي
وغالبا ما يثير رفع العلم الأمازيغي حفيظة السلطات في بلدان شمال أفريقيا التي يقطنها عشرات الملايين من الأمازيغ. حيث اعتقلت السلطات الجزائرية سنة 2019 العشرات من المحتجين ووجهت اليهم تهمة رفع العلم الأمازيغي في مظاهرات الحراك الشعبي التي عجلت بإنهاء حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وفي المغرب استدل به الوكيل العام في إحدى الجلسات القضائية كدليل إدانة، ضد بعض معتقلي مظاهرات حراك الريف التي خرجت بمدينة الحسيمة شمالي المغرب في أكتوبر 2016.
ويعتبر الحسين بويعقوبي الأستاذ الجامعي والباحث في الثقافة الأمازيغية “أن العلم الأمازيغي يرفع في أحداث تزعج السلطات أحيانا كالمظاهرات ذات الصبغة الاحتجاجية كما حدث سنة 2011، أو في ما يعرف بأحداث الحسيمة، لكن المغرب لم يصدر أي قرار واضح وصريح بمنع رفع العلم الأمازيغي”.
وبعد عقود من القمع والنكران، عرف “علم تمازغا” في ليبيا انتشارا واسعا بعد سقوط معمر القذافي، حيث رفعه الثوار إبان الثورة وبات اليوم يرفرف عاليا في المناطق الأمازيغية، بخاصة جبال نفوسة.
ويوضح الأكاديمي المغربي أن “العلم الأمازيغي لا ينافس العلم الوطني وليس بديلا له بل هو علم هوياتي يرمز إلى ثقافة ولغة معينة تجمع المنتمين للعرق الأمازيغي”.
وقد تجاوز اليوم العلم الأمازيغي حدود شمال افريقيا والصحراء حيث يرفع في مظاهرات عالمية من قبل الجاليات الأمازيغية كما يحدث بعدد من البلدان الأوربية وكندا.
ت.م/ وكالات