فتحي غراس: الجزائر بين النظام الاستعماري والنظام الاستبدادي
تشكل الاعتقالات المتواصلة التي تطال كل المتمسكين بمطلب التغيير الديمقراطي في الجزائر، ردا يعكس وبشكل فاقع مستوى الإفلاس السياسي الذي وصلت إليه السلطة، والتي تعي بدورها أنها لا تملك القدرة على إقناع الجزائريين بخياراتها.
بطبيعة الحال يغيب الخطاب السياسي المزود بالحجج العقلانية، والملتزم بالأطر القانونية والمؤسساتية، وبالأعراف والتقاليد التي تميز الممارسة السياسية الحديثة من موقع السلطة، تاركا المجال لخطاب التهديد والوعيد المنفلت من أي ضابط، والمنعكس في الانتهاكات المستمرة للحقوق والحريات.
من هم في نظام الحكم لا يمارسون السياسة لأنهم لا يرون أنفسهم مطالبين بإقناع الجزائريين، فمصالحهم الضيقة لا تضع المواطن الجزائري في الحسبان. لذا فلن يبقى غير العنف والقمع البوليسي والإكراه بمختلف الأساليب، من أجل تمرير خيارات النظام وفرضها على الشعب الجزائري.
النظام السياسي الجزائري يدعي تبني مبادئ ثورة التحرير قولا ويحاربها فعلا عندما يحول الدولة التي جاء بها نوفمبر، إلى أداة تتحكم فيها أقلية من المسيطرين الساعين إلى تحقيق منافع شخصية، على حساب المصلحة العامة، والمصالح الخاصة المشروعة للمواطنين، وحتى على حساب المصالح الحيوية للدولة الجزائري.
إنه المنطق ذاته التي ساد مع الدولة الاستعمارية وان اختلفت الدرجة؛ والذي أدى إلى فشل مشروعها الاستيطاني الاستتباعي أمام الصمود الأسطوري للشعب الجزائري.
إن الطبيعة الاستبدادية لنظام الحكم في الجزائر يعيد إنتاج منطق الوصاية ويخلق طبقته المنتفعة بأساليب النهب واللصوصية الممنهجة، ويحافظ على تبعية الجزائر الاقتصادية والسياسية لنظام عالمي يرعاه كبار العالم وفق علاقات هيمنة استعمارية جديدة (néocolonial)واضحة المعالم.
إن التخلف الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، والذي يثري وبشكل سريع وفاحش هذه الطبقة المهيمنة عن طريق تحويل جزء هام من مداخيل الريع إلى جيوبها بمختلف الطرق، ليتم بعدها تهريبها نحو الجنات الضرائبية في الخارج، يتكرس عبر اختيار النمط الاقتصادي الذي يعتمد بنيويا على مداخيل المحروقات.
يشكل هذا النمط الاقتصادي استمرارية للاقتصاد الكولونيالي الذي فرضته فرنسا على الجزائر المستعمرة، والذي منعها من التصنيع، وجعلها مرتبطة باقتصاد فرنسا المتطور، عن طريق تزويد هذه الأخيرة بما تحتاجه من المواد الأولية والطبيعية فقط؛ خالقا بذلك الشكل الأول للتبعية الاقتصادية التي لم نغادرها مع دولة الاستقلال التي يسيطر عليها وكلاء الاستعمار الجديد، المتحكمين في مصير البلاد سياسيا واقتصاديا، والمنتفعين من هذا التخلف.
إذا كان الاستغلال الاقتصادي الاستعماري للجزائر يتطلب نظاما سياسيا استعماريا عنصريا يحرم الجزائريين من كل شيء، ويحولهم إلى أداة لتحقيق مصلحة الأقلية الأوروبية في الجزائر والمصالح الفرنسية، فإن الطبقة الطفيلية المسيطرة على الريع في دولة الاستقلال، بحاجة لنظام الاستبداد الذي يمنع الشعب الجزائري من تحقيق سيادته على دولته وعلى ثرواته، وبالتالي من توجيه القرار السياسي نحو ما ينفع البلاد والأمة.
طبيعة النظام لن تنتج غير العنف والقمع لمواجهة التطلعات الديمقراطية والتحررية للشعب الجزائري، ولن تتوقف الطبقة الحاكمة عن الدفاع عن امتيازاتها بالترهيب لإعادة ضبط الأمور بما يحقق استقرار النظام واستمراره.
إن أي مشروع سياسي لا يضع الاستقلال الوطني الكامل والشامل كهدف، عن طريق الشعب ومن أجل الشعب، سيشكل استمرارا لمشروع الاستعمار الذي كان يرمي إلى استتباع الجزائر والشعب الجزائري لمصالح الغير؛ لذا فإن الحراك الثوري هو الرحم الوحيد الذي أنجب مشروع استكمال الاستقلال الوطني، بينما يشكل النظام السياسي الحاكم العائق الوحيد في وجه هذا الهدف.
علينا أن ننتصر وسننتصر.. تحيا الجزائر.. الحرية للمعتقلين.. الخلود للشهداء.. والمجد للشعب
بقلم فتحي غراس
المنسق الوطني للحزب الديمقراطي الاجتماعي