أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة أميركية بأفغانستان السبت الماضي.
وأوضح بايدن -في كلمة له مساء الاثنين بالبيت الأبيض- أن أجهزة المخابرات حددت مكان الظواهري في وقت سابق هذا العام، مشيرا إلى عدم إصابة أي أحد من عائلة الظواهري أو مدنيين آخرين في الغارة.
وأكد بايدن أن الظواهري كان العقل المدبر لهجمات ضد الأميركيين لعقود، مشيرا إلى أن أفغانستان لن تصبح مجددا ملاذا آمنا لمن وصفهم بـ”الإرهابيين”.
وقد أظهرت صور تداولتها وسائل إعلام للغارة الأميركية لطائرة مسيرة والتي أدت لمقتل الظواهري. وأظهرت الصور تصاعد الدخان من المنزل الذي كان يختبأ فيه زعيم تنظيم القاعدة. واستهدفت الغارة منزلا في الحي الدبلوماسي قرب السفارة الأميركية في العاصمة الأفغانية كابل.
وقال البيت الأبيض إن الرئيس بايدن أصدر قرار استهداف الظواهري في 25 من الشهر الماضي. وأكد البيت الأبيض أن بعض كبار قادة شبكة (وزير الداخلية الأفغاني سراج الدين) حقاني كانوا على علم بمكان الظواهري، مشيرا إلى احتمال أن ينشر تنظيم القاعدة مقاطع مصورة للظواهري للدعوة إلى تنفيذ هجمات إضافية.
من جهته، قال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن واشنطن لم تخطر مسؤولي حكومة طالبان قبل هجوم السبت. وأضاف المسؤول الأميركي أن مصادر بلاده الاستخباراتية المتعددة على ثقة عالية بأن الظواهري قتل في ضربة كابل، وأن أي عناصر أميركية لم تكن على الأرض خلال تنفيذ الضربة.
وفق “فرانس برس”، لم يكن وجود زعيم الجماعة الجهادية العنيفة في أفغانستان أمرا مفاجئا، فمنذ استعادة حركة “طالبان” الإسلامية السيطرة على البلاد في أغسطس الماضي، شعرت “القاعدة” بمزيد من الشعور بالراحة في الداخل، كما يقول المحللون، لكن العثور على الظواهري كان لا يزال صعبا.
شرفة بيته فضحت صورته.. كيف تمت عملية اغتيال زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري في أفغانستان؟
وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للصحفيين بأنه “منذ عدة سنوات، كانت الحكومة الأمريكية على علم بوجود شبكة قيمنا أنها تدعم الظواهري”، لكن في هذا العام فقط علمت المخابرات الأمريكية أن أسرته وزوجته وابنته وأطفالها قد انتقلوا إلى العاصمة الأفغانية، بحسب ما نقلت “فرانس برس”..
وقال المسؤول إنهم “كانوا حذرين”، حيث مارسوا “مهنة إرهابية طويلة الأمد” لمنع أي شخص من تعقبهم لزعيم القاعدة، ومع ذلك، ظهر الظواهري في النهاية ولم يغادر.
وأضاف المسؤول: “تعرفنا على الظواهري في مناسبات متعددة ولفترات طويلة على الشرفة”، حيث تم تطوير خطة هجوم خلال شهري مايو ويونيو، إذ راقبت الولايات المتحدة باستمرار الإقامة متعددة الطوابق لفهم نمط حياة الأسرة.
وقاموا بدراسة بناء المنزل بهدف ضرب الظواهري دون تهديد السلامة الهيكلية للمبنى، لتقليل المخاطر على المدنيين، كما وضع مسؤولو الدفاع والاستخبارات اللمسات الأخيرة على الخطة في يونيو، وتم تقديمها إلى بايدن بالبيت الأبيض في الأول من يوليو، باستخدام نموذج مفصل للسكن، كما كان يحدث قبل غارة بن لادن.
وأشار المسؤول إلى أن بايدن طرح أسئلة مفصلة حول الهيكل وقضايا الطقس والمخاطر على المدنيين، وأخيرا، في 25 يوليو، اتخذ بايدن القرار، وجرى اتخاذه مع انضمام كبار المسؤولين في مجلس الوزراء إلى الإحاطة النهائية، مرددا صدى اجتماع البيت الأبيض في 28 أبريل 2011 حيث قرر الرئيس الأسبق، باراك أوباما، نشر قوات العمليات الخاصة الأمريكية لدخول باكستان والحصول على بن لادن، حيث أنه في ذلك الوقت، كان بايدن نائب الرئيس، وأعرب عن شكوكه، وأشار في وقت لاحق إلى أن مخاطر حدوث أخطاء كبيرة، ولم يتم تحديد بن لادن بوضوح، ما كان قد يؤثر على العلاقات مع باكستان.
لكن مع الظواهري، لم تدخل القوات الأمريكية البلاد، وتم التعرف على الظواهري بوضوح، في حين أن العلاقات الأمريكية مع طالبان قريبة من الصفر.
وفي نهاية المناقشة في الخامس والعشرين من الشهر، سأل بايدن – كما فعل أوباما قبل 11 عاما – كل مشارك عن وجهة نظره.
وأوضح المسؤول قائلا: “الكل أوصى بشدة بالموافقة على هذا الهدف” ، وأعطى بايدن الضوء الأخضر.
وشملت الضربة طائرة أمريكية بدون طيار، مسلحة بصاروخين من نوع “هيلفاي”ر دقيق التوجيه، تم إطلاقهما في الساعة 6:18 من صباح يوم الأحد، بتوقيت كابل.
واردف المسؤول: “إن الظواهري قتل على الشرفة”، في حين يبدو أن الصواريخ لم تكن من طراز “هيلفاير” العادية، والتي كان من الممكن أن تدمر متفجراتها الشديدة المنزل.
وفق “فرانس برس”، تظهر الصور الظاهرة للمبنى المقصوف عددا قليلا فقط من النوافذ في طابق واحد وقد تحطمت، والباقي سليم، وضلك ما يشير إلى الاستخدام المحتمل لنسخة غير متفجرة من “هيلفاير”، والتي تنشر سلسلة من الشفرات الشبيهة بالسكاكين من جسم الطائرة وتقطع هدفها ولكنها تترك الأشخاص والأشياء القريبة سليمة.
وقد استخدمت القوات الأمريكية ما يسمى بصاروخ “جينسو الطائر” أكثر من ست مرات لقتل قادة آخرين في الجماعات الجهادية دون الإضرار بالمارة.
ولم يذكر المسؤول تفاصيل لكنه أعرب عن ثقته القوية بمقتل الظواهري وعدم إصابة أحد.
واستطرد: “أفراد عائلة الظواهري كانوا موجودين في أجزاء أخرى من المنزل الآمن وقت الغارة، ولم يتم استهدافهم عمدا ولم يتعرضوا للأذى”.
وأكد أن الضربة “توجه ضربة كبيرة للقاعدة، وستضعف قدرة الجماعة على العمل”، متابعا: “كما قال الرئيس بايدن باستمرار، لن نسمح لأفغانستان بأن تصبح ملاذا آمنا للإرهابيين الذين قد يلحقون الأذى بالأمريكيين”.
من هو أيمن الظواهري الذي ترك الطب في القاهرة من أجل تنظيم القاعدة؟
خلف الظواهري أسامة بن لادن في زعامة تنظيم القاعدة بعد سنوات كان فيها عقل التنظيم المدبر وواضع استراتيجياته، ولكن افتقاره للكاريزما وإلى الشخصية المؤثرة ومنافسة تنظيم الدولة الإسلامية للقاعدة أعاقا قدرته على شن هجمات كبيرة على الغرب.
وعلى الرغم مما عُرف عنه بأنه شخصية متصلبة ميالة للخلاف، نجح الظواهري في رعاية جماعات تابعة للقاعدة على نحو غير وثيق في جميع أنحاء العالم والتي نشأت كحركات تمرد مدمرة، وبعضها خرج من رحم الاضطرابات، التي نجمت عن الربيع العربي. وأدى العنف إلى زعزعة الاستقرار في عدة بلدان في جميع أنحاء آسيا وافريقيا والشرق الأوسط.
لكن أيام القاعدة التي شنت هجمات 11 سبتمبر-أيلول 2001 على الولايات المتحدة، كشبكة تدار مركزيا وذات ترتيب قيادة هرمي ولت منذ زمن بعيد. بل إن التمرد عاد إلى جذوره في شكل نزاعات محلية، مدفوعة بمزيج من المظالم الداخلية والتحريض من قبل الشبكات الجهادية العابرة للحدود عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
الفكر المتشدد
ويعود تبني الظواهري الفكر المتشدد إلى عقود خلت. فقد كانت المرة الأولى التي سمع فيها العالم عنه عندما وقف في قفص الاتهام بقاعة المحكمة بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981.
حينها أعلى الظواهري، الذي كان مرتديا جلباباً أبيض شأنه شأن المتهمين الآخرين الذين أغضبهم اتفاق السلام الذي أبرمه السادات مع إسرائيل، صوته بالقول إنهم ضحوا، ومستعدون لمزيد من التضحيات حتى انتصار الإسلام. وقضى أيمن الظواهري حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة حيازة سلاح دون سند من القانون، لكنه بُرئ من التهم الرئيسية.
وغادر أيمن الظواهري الذي درس الجراحة ليكون أحد الأسماء المستعارة له الطبيب، إلى باكستان لدى إطلاق سراحه حيث عمل مع الهلال الأحمر في علاج المجاهدين الإسلاميين الجرحى في أفغانستان الذين كانوا يقاتلون القوات السوفياتية. وتعرف خلال تلك الفترة على أسامة بن لادن، وهو سعودي ثري انضم إلى المقاومة الأفغانية.
الجهاد الإسلامي في مصر
وتولى الظواهري قيادة الجهاد الإسلامي في مصر عام 1993، وكان شخصية بارزة في حملة منتصف التسعينيات للإطاحة بالحكومة وإقامة دولة إسلامية خالصة. وقُتل خلال الحملة تلك كثر من 1200 مصري.
وشنت السلطات المصرية حملة قمع على الجهاد الإسلامي بعد محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في يونيو حزيران 1995 في أديس أبابا. ورد الظواهري بإصدار أمر بشن هجوم عام 1995 على السفارة المصرية في إسلام أباد. واصطدمت سيارتان مليئتان بالمتفجرات ببوابات المجمع، مما أدى إلى مقتل 16 شخصا.
وفي عام 1999 حكمت محكمة عسكرية مصرية غيابيا على الظواهري بالإعدام. وبحلول ذلك الوقت كان يعيش حياة المتشددين الخشنة بعد أن ساعد بن لادن في تشكيل القاعدة.
وفي تسجيل مصور بثته قناة الجزيرة عام 2003، ظهر الرجلان وهما يمشيان على سفح جبل صخري، وهي صورة كانت المخابرات الغربية تأمل أن توفر أدلة على مكان وجودهما.
تهديدات الجهاد العالمي
كان يٌعتقد لسنوات أن الظواهري يختبئ على الحدود بين باكستان وأفغانستان. وهذا العام، حدد المسؤولون الأمريكيون أن عائلة الظواهري، زوجته وابنته وأطفالها، انتقلوا إلى منزل آمن في كابول وحددوا بعد ذلك هوية الظواهري في الموقع نفسه، حسبما قال مسؤول كبير بالإدارة.
وقال المسؤول إنه قُتل في هجوم بطائرة مسيرة عندما خرج من شرفة المنزل صباح الأحد. ولم يصب أحد بأذى.
وتولى الظواهري قيادة القاعدة في عام 2011 بعد أن قتلت قوات من البحرية الأمريكية بن لادن في مخبئه بباكستان. ومنذ ذلك الحين دعا مرارا إلى الجهاد العالمي، مع وجود بندقية إيه.كيه-47 بجانبه أثناء رسائله المصورة.
وفي تأبين لابن لادن، وعد الظواهري بمواصلة الهجمات على الغرب، مذكرا بتهديد المتشدد السعودي المولد بأنه “لن تهنأ أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن! قبل أن نعيشه واقعا في فلسطين وقبل أن تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد صلى الله عليه وسلم”.
لكن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تشددا في 2014-2019 في العراق وسوريا أثار نفس القدر من اهتمام سلطات مكافحة الإرهاب الغربية بالقاعدة إن لم يكن أكثر.
وحاول الظواهري في كثير من الأحيان إثارة المشاعر بين المسلمين من خلال التعليق على الإنترنت على قضايا حساسة مثل سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، لكن طريقته كانت لا تضاهي طريقة بن لادن في الجاذبية والتأثير.
وعلى المستوى العملي، يُعتقد بأن الظواهري متورط في بعض من أكبر عمليات القاعدة، إذ ساعد في تنظيم هجمات عام 2001، عندما استُخدمت طائرات خطفتها القاعدة لقتل ثلاثة آلاف شخص في الولايات المتحدة.
وواجه اتهامات بالضلوع في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998. ورصد مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) 25 مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود إليه.
عائلة بارزة
لم ينشأ الظواهري في الأحياء الفقيرة بالقاهرة، مثل آخرين انجذبوا إلى جماعات متشددة وعدت بالدفاع عن قضايا نبيلة، فقد ولد الظواهري عام 1951 لعائلة بارزة في العاصمة المصرية، وكان حفيدا لشيخ الأزهر.
ونشأ الظواهري في ضاحية المعادي الراقية بالقاهرة، وهو مكان يفضله الرعايا من الدول الغربية التي ينتقدها. اعتنق الظواهري، وهو نجل أستاذ لعلم الأدوية، الفكر الأصولي الإسلامي لأول مرة في سن الخامسة عشرة.
واستوحى الظاهري أفكاره من الأفكار الثورية للكاتب المصري سيد قطب، وهو إسلامي أُعدم عام 1966 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم. ووصفه الأشخاص الذين درسوا معه في كلية الطب جامعة القاهرة في السبعينيات بأنه كان شابا مفعما بالحيوية يذهب إلى السينما ويستمع إلى الموسيقى ويمزح مع الأصدقاء.
وقال طبيب درس مع الظواهري ورفض الكشف عن اسمه “عندما خرج من السجن كان شخصا مختلفا تماما”.
وفي قفص بقاعة المحكمة بعد اغتيال السادات في عرض عسكري، خاطب الظواهري الصحافة الدولية قائلا إن المسلحين تعرضوا لصنوف من التعذيب الشديد منها الجلد وهجمات الكلاب المتوحشة في السجن.
وأضاف أن السلطات اعتقلت الزوجات والأمهات والآباء والأخوات والأبناء في محاولة للضغط النفسي على “السجناء الأبرياء”. وقال زملاؤه السجناء إن هذه الظروف زادت من تطرف الظواهري ووضعته على طريق الجهاد العالمي.