أراء حرةالأخبار

الأمازيغية: من خطر الانقراض إلى خدمة الترجمة الأكثر استعمالا عبر العالم خلال – Google Translate –

يعد دخول الأمازيغية إلى Google-Translate انتصارا تاريخيا لهذه الثقافة التي كانت مهددة بالانقراض منذ وقت ليس ببعيد. بينما أشادت ملايين الناس لهذا التقدم والإنجاز الجديد، في الحين وكالعادة كلما بدء الحديث عن الأمازيغية تستيقظ نفس الطوائف العنصرية وشياطين الفتنة لبث حملاتها المسمومة بالكراهية والبغض والجهل. وهذا ما يحدث في الأيام الأخيرة منذ ان ادرجت اللغة الأمازيغية ضمن Google translate غوغل ترجمة.

الأكثر خطورة والأكثر ضررا في مجتمعاتنا هو ما اسماه سقراط اصحاب الجهل المزدوج، وهو يقصد الشخص الذي لا يعرف ويجهل انه لا يعرف. واصحاب الجهل المزدوج هم من يعتبروا ان اعتماد اللغة الأمازيغية لكلمات ذات أصل لاتيني أمر غير معتاد، بل اقبح و اغبى من ذلك جعلوا من هذا النهج المعتمد في العلم اللغوي أمراً مضحكا و جديرا بالسخرية.

  من المؤكد ان قضية التأثير والتأثر بين اللغات هي ظاهرة إنسانية أقام عليها علماء اللغات بحوث وادلة علمية لا تعد ولا تحصى.

ان التفاعل بين اللغات عبر العصور امراً واقعا ومقررا لأنه من المستحيل أن تظل لغة بمأمن من كل تأثير. فاللغات مثلها مثل المجتمعات والشعوب اللاتي تتكلمها لا تستطيع ان تعيش بمعزل من الاحتكاك باللغات الأخرى.

حتى وان كان التأثير يخضع لعاملين أساسيان، فالأول يتعلق بعدد الناطقين بتلك اللغة والثاني وهو الأكثر تأثيرا يتعلق بالوضع الحضاري والتقدم العلمي الذي ارتقى اليه المجتمع الناطق بتلك اللغة.

في تاريخ الإنسانية قديمًا وحديثًا عندما يتم اختراع أو اكتشاف علمي، تكون لغة المخترع الأول او العالم المكتشف ومصطلحاته هي الأكثر شيوعًا. وهذا ما نراه حاليا على سبيل المثال في الكلمات الإنجليزية وهيمنتها في مجال التكنولوجيا.

و لا يوجد لغة واحدة في التاريخ بمأمن من كل تأثير. فاللغات تقترض بعضها من بعض ألفاظا لتلبية طلب او سد حاجة وضرورة حتى تصبح تلك الألفاظ المستعارة فيما بعد جزءا لا يتجزأ من تلك اللغة. وهذا ما يعرف بالتلقيح اللغوي.

فمن المعروف انه يوجد عدد هائل من المصطلحات العربية التي اندمجت في اللغات الأوروبية وهو شيء وارد ومعترف به. و من الجانب الآخر توجد عشرات الكلمات الأجنبية (السريانية و الفارسية و الأرامية و الإنجليزية، اللاتينية و اليونانية… ) التي باتت تعتبر عربية مع مرور الزمن.

 نجد مثلا في العربية كلمات من اصل لاتيني او يوناني: متر mètre – غرامgramme -أكاديمية académie – فاتورة facture- اوركسترا orchestra- فيلا villa – تلفزيون télévision – تيليفون telephone – قميص camisa- إمبراطور empereur  – ديناميت dynamite- فلسفة phliosophia- سفسطة sophistique- اركيولوجيا  archéologie – جغرافيا géographie – التاريخ كلمة مشتقة  (أرخ archeo يعني قديم باليونانية القديمة) و عشرات العشرات الأخرى. حتى كلمة لغة مشتقة من “لوغوس” Logos اللتي تعني “كلمة” باليونانية.

فلماذا يجب ان يشترط من الأمازيغية ما لم يشترط من الألمانية واليابانية و الفرنسية و الإسبانية و العبرية و السويدية و شتى اللغات الأخرى؟

هل يعلم الذين سخروا من استعمال كلمة تريييسيتي في الأمازيغية ان كلمة كهرباء في حد ذاتها ليست عربية أصلا، بل هي كلمة مشتقة من الفارسية. و هي كلمة مركبة من “كاه” أي القش (la paille) ومن رُبَای أي الجاذب؟

الدفاع على الأمازيغية غير مبني فقط على كونها اللغة الأصلية لشعوب شمال إفريقيا، بل ايضاً كونها جزءا ومكسبا لتراث الإنسانية المشترك.

 عكس اصحاب الانكماش الثقافي والعقلي، توجد لدى ملايين الاشخاص عبر العالم رغبة وشاغل مشترك يتعلق بصون التراث الثقافي غير المادي لكافة الإنسانية.

و من هذا المنطلق شعرت بسعادة و طمأنينة صادقة حينما علمت ان لغة الكوتشوا -le quechua – دخلت إلى غوغل ترجمة Google traduction إلى جانب عشرات اللغات الأخرى. للتذكير الكوتشوا هي لغة حضارة الإنكا )Les Incas -العريقة التي كادت ان تنقرض تماما بسبب المجازر الوحشية التي تعرض لها الهنود الحمر من طرف الاستعمار الأوروبي (إسبانيا و البرتغال و فرنسا …

بقلم عباس حمادن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى