صاحب مشروع فيلم وثائقي حول العلمانية في الجزائر يستعد لمغادرة السجن
أفاد المحامي بوبكر حمايلي ان صاحب مشروع فيلم وثائقي حول العلمانية في الجزائر الموقوف منذ أكثر من سنة مع أربعة آخرين بتهمة “الاشادة بأفعال ارهابية” و “تلقي تمويل أجنبي” سيغادر السجن مساء اليوم بعدما أصدر القضاء اليوم الاثنين حكما بسجنه لمدة سنة، وبالتالي انقضاء مدة عقوبته.
وقال المحامي حمايلي أن موكله مدورن لمين الموقوف منذ أكثر من 13 شهراً بسجن واد غير ببجاية قد اصدرت محكمة الجنايات الاستئنافية بمجلس قضاء بجاية حكم يقضي بسجنه لمدة عام عن جناية “التمويل الأجنبي” وتبرئته من تهمة “الإشادة بالإرهاب”.
وبهذا الحكم يفترض ان يغادر صاحب مشروع فيلم وثائقي سيحمل عنوان “أنا علماني جزائري” مدورن لمين الحبس مساء اليوم، علما ان المتهمين الآخرين معه غادروا السجن مطلع مارس المنصرم، يضيف المتحدث.
وكانت محكمة الجنايات الابتدائية في 22 فيفري الماضي، قد سلطت عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات ضد السينمائي مدورن لمين، “وبعام سجن نافذ” في حق كل من المصور مزياني ماسينيسا والريجيسور أيت وارث أمين، وقاسمي فؤاد وقشاشة محي الدين، المتخصصان في الفلسفة للأول وعلوم الشريعة الإسلامية للثاني.
وهذا بعد ان أقرت المحكمة الجنائية بأنهم قد “أشادوا” بحركة الماك المصنفة في قائمة التنظيمات الارهابية بالجزائر، كما “تلقوا تمويل اجنبي” لاعداد فيلم وثائقي.
وحسب ما دار في جلسة المحاكمة التي حضرها موقع الحقرة فإن حيثيات القضية تعود إلى فيفري من العام المنصرم أين القت مصالح الأمن ببجاية القبض على المتهمين الذين ينحدرون من ولايات بجاية، تبسة وخنشلة، لصلتهم بإعداد فيلم وثائقي بدون الحصول على رخصة من المصالح المعنية وتلقي أموال من الخارج.
وقد أقرّ المتهم الرئيسي في القضية السينمائي مدورن لمين خلال مجريات التحقيق الأولى عند الضبطية القضائية، وأمام قاضي التحقيق لدى محكمة بجاية، الذي وضعه والمشتبهين معه رهن الحبس المؤقت بسجن واد غير، بأنه راودته فكرة اعداد فيلم وثائقي حول اللائكية او العلمانية والحريات والاضطهاد الديني في الجزائر منذ سنوات 2012، قبل ان يشرع في تنفيذ أفكاره بداية من 2017 إلى غاية 2019.
كما كشف مدورن بكل عفوية بأنه تلقى مبلغ 4000 يورو من المؤسسة الفرنسية VHD المتخصصة في تمويل الإنتاج السينمائي العالمي، كما حاول التواصل مع رئيس حركة الماك فرحات مهني عام 2019 عن طريق أحد المقربين منه للمشاركة في الفيلم الوثائقي.
فيما نفى المصور مزياني ماسينيسا والريجيسور أيت وارث أمين علمهم بحصول مشروع الفيلم الوثائقي المزمع اخراجه على تمويل من مؤسسة أجنبية، مؤكدين “حصولهم على مبالغ مالية لقاء أتعابهم من المنسق مدورن لمين”. كما أكدوا في نفس الوقت أن دورهم في الفيلم “تقني بحت” ولا علاقة لهم الحوار الدائر فيه أو الغاية منه الذي تزعم النيابة إشادته بالإرهاب وتلقيه دعم من الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل (الماك)، المصنفة بالجزائر في قائمة المنظمات الإرهابية.
وجاءت تصريحات المتدخلين في الفيلم قاسمي فؤاد وقشاشة محي الدين، المتخصصان في الفلسفة للأول وعلوم الشريعة الإسلامية للثاني، في نفس الاتجاه، إذ نفوا قطعيا كل التهم الجنائية المنسوبة إليهم، مؤكدين عدم تلقيهم أي فيلس من أي جهة وعدم إشادتهم بأي عمل إرهابي أو دعوتهم للعنف. كما أشاروا إلى انهم اعتبروا ان العمل يتيح لهم وفقط مساحة للتعبير عن رأيهم حول التعايش بكل حرية.
هذا، واكد ممثل الحق العام في مرافعته ان تهم “الإشادة بالأفعال الإرهابية” و”تلقي أموال من جهة أجنبية بغرض المساس بأمن الدولة والوحدة الوطنية” وفق “المواد 87 مكرر 4 و95 مكرر 1 و2 من قانون العقوبات” ثابتة في حق جميع المتهمين.
وقال النائب العام أن الوقائع المتمثلة في تلقي أموال من جهة خارجية جد خطيرة وما كانت لتحصل لو ان الفيلم يروج مثلاً للسياحة في الجزائر أو يعطي عنها صورة جميلة. مؤكداً ان الغرض من العمل السينائي هذا يتمثل أساس في المساس بأمن الدولة وبالإشادة بمنظمة إرهابية، بدليل وجود فرحات مهني فيه.
وضع كل المتهمين في “كيس واحد”
من ناحيتهم، اعتبرت هيئة دفاع المتهمين في جلسة المحاكمة الابتدائية، التي تقدمها نقيب منظمة المحامين لناحية بجاية، الأستاذ دريس عبد الرحمان، أن المتابعين ينحدرون من عائلات محترمة وانهم رجال ثقافة وليس سياسة كي توجه إليهم كل هذه التهم الخطيرة التي تربط بنشاطات ذات طابع سياسي، بدليل عدم انخراط أيًا منهم في حزب أو منظمة سياسية.
وانتقدت الهيئة عديد الخروقات الموجودة في أثناء التحقيق مثل عدم اخطارها كما ينص القانون بنتائج تقرير الخبرة التقنية على المحجوزات، الذي بلا شك جاءت سلبيا ولم تعط أي دليل ضد موكليهم، وكذا وضع “المصور” كمتهم في القضية في الوقت الذي استدعي “مهندس الصوت” كشاهد في القضية.
كما استغربت الهيئة وضع كل المتهمين في “كيس واحد” بمتابعتهم بنفس التهم في حين اختلف دورهم في الوقائع التي توبعوا على أساسها.
بخصوص تهمة الإرهاب، قال المحامون أن موكليهم متابعين “بأثر رجعي”، كون ان الوقائع حصلت سنوات 2017 و2019 في الوقت الذي لم تُدرج فيه حركة الماك رسميا كمنظمة إرهابية إلا في شهر فيفري 2022. وحتى أن التواصل المزعوم مع فرحات مهني سنة 2019 جاء بطريقة غير مباشرة، عن طريق البريد الالكتروني، ردى على الإمايل الأول ولم يرد على الثاني.
وأضافت حول المساس بالوحدة الوطنية، أن معد الفيلم انتقى المتدخلين في شريطه الوثائقي من عدة ولايات عبر الوطن وليسوا من منطقة القبائل وحدها ما يدل على الطابع الوطني.
وعن عدم السعي للحصول على ترخيص مسبق لتصوير الفيلم كما ينص عليه القانون لوجود سوء النية كما قالت النيابة، كشفت هيئة الدفاع أن الحصول على الترخيص يستلزم ملف يوضع بوزارة الثقافة وهذا الملف ينبغي احتوائه على “ملخص عن الفيلم” يتم تصويره مسبقاً، وهذا ما كان يقوم به المتهمين إذ قاموا بتصوير بعض اللقطات لتقديمها كملخص عن الفيلم.
وفيما يخص “التمويل” قال الدفاع أنه تم الحصول عليه بناء على عقد مبرم بين لمين مدورن والمؤسسة الفرنسية عن طريق تحويل إلى بنك الجزائر. وان المبلغ تم سحبه من البنك سنة بعد انتهاء تصوير الملخص ما يدحض تهمة التمويل من أساسها بخاصة للمتهمين الأخرين الذين تلقوا أتعابهم من جيب مدورن.
فضائل العلمانية
من جانبه المحامي حمايلي بوبكر رافع حول فضائل العلمانية ودورها خلال العشرية السوداء في مواجهة الفكر الظلامي، وحين كان القاضي يحاكم المتهمين بالقناع ويوقع الأحكام التي يصدرها بدون ذكر اسمه.
وقال الأستاذ حميلي ان العلمانية مكرسة في الدستور الجزائري من خلال حرية الرأي والمعتقد وأنها قبل كل شيء فكر غير مُجرم قانونًا بدليل وجود حزب سياسي معتمد من طرف وزارة الداخلية للجمهورية الجزائرية، وهو حزب الأرسيدي ذو التوجه العلماني.
كما انتقد حمايلي “فضفاضية” المادة 87 مكرر4 التي لم تقدم تعريف محدد لتهمة الإشادة بالإرهاب ما يعطي للنيابة تقديم أي تعريف لها وللقاضي الإدانة “حسب أهوائه” ولو “غاب الأثر”. لكنه أشار إلى تعريف فعل الإشادة بالجرائم الإرهابية، الذي تبناه مجلس الوزراء العرب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي صادقت عليها الجزائر، أين اعتبرت فعل الإشادة بالأعمال الإرهابية تنفيذ لغرض إرهابي نشر، او طبع محررات، أو مطبوعات، او تسجيلات، وهذا للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها بهدف تشجيع على ارتكاب تلك الجرائم.
كما تحدى حمايلي النيابة بان تقدم دليل واحد عن علاقة تجمع حركة الماك مع هذه المؤسسة الفرنسية التي قدمت تمويلاً لهذا المشروع. مضيفاً أن هذه الشركة الرائد في الإنتاج السينمائي معروفة دوليًا بتقديمها لتمويلات لإنتاج الأفلام في جميع انحاء العالم بينها الجزائر بغض النظر عن أهداف العمل.