القاضي سعد الدين مرزوق: القضاء العسكري ليس عدالة والجوق العسكري ليس بموسيقى
يكفي إضافة عسكري أمام كلمة لتفقد معناها، القضاء العسكري ليس عدالة والجوق العسكري ليس بموسيقى… هكذا يرى جورج كليمنصو الطبيب، الصحافي ووزير دفاع فرنسا في الحرب العالمية الأولى ورئيس وزرائها فيما بعد المحاكمات العسكرية.
المحاكم العسكرية كنظام استثنائي ليست سوى ثكنات قضائية تخلت عنها جل الأنظمة الديمقراطية، وقرارتها ليست بعيدة عن تعليمات الجنرالات والعقداء في ساحات السلاح، وهو ما أكدته عدة قرارات للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. CEDH Cambell et Fell /royaume uni 28 juin 1984
ألمانيا ألغت المحاكم العسكرية وقت السلم، إسبانيا، إيطاليا، إنجلترا كذلك وتخضعها لغرفة اللوردات منذ سنة 1981، في حين فرنسا عوضتها بأقسام خاصة بالمحاكم المدنية الكبرى منذ 1982 وأنشئت سنة 1999 محكمة الجيش بباريس، والذي اختص بمحاكمة العسكريين أثناء اقترافهم جرائم أثناء مهمات حفظ السلام خارج الحدود، منها مسؤولية الجيش الفرنسي في مذابح روندا واغتيال عسكريين فرنسيس في ساحل العاج سنة ،2006 قبل أن يتم حل المحكمة عام 2012 من باب إصلاح القضاء العسكري لمخالفته لمبادئ وضمانات المحاكمة العادلة.
فمن أراد عدالة مستقلة محايدة للعسكريين والمدنيين وفق مبدأ المساواة فباب نضالها مزال طويلا ووعرا، ويحتاج الكثير من الخبرات والتغييرات الجذرية والإرادة السياسية الواعية والشجاعة.
من أراد التغني بمناجل مهترئة وبشعبوية زائفة فليعلم أنه فتح باب الانتقام من جهة وأخرج العدالة من الجهة الأخرى، وأنه حول مرفقا مهما محايدا للدولة لجهاز تنفيذي يقدم تحيات لمن يحب وينكل بالمخالف وفق خطط حربية قضائية بمنظور عسكري، وحوله لجهاز سياسي يقرأ التوازنات والاختلافات في الرؤى ويقترب ويباعد منها وإليها حسب المصلحة.
فلتخرجوا العدالة من الصراعات والانتقامات والشعبوية المتخلفة المصفقة المتبعة للعواطف دون وعي، ولتتحرر وتهتم بملفات جدية وفاضة لنزاعات مقيمة لركن أساسي للدولة ألا وهو العدل والإنصاف واحترام حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية المصادق عليها.